فجون كيري الذي حرص على أن يقدم نفسه مختلفا عن جورج بوش, لم يقدم الحلول المنتظرة للكثيرمن المنغصات والمشكلات التي تواجه تلك السياسة ولا سيما ما يتعلق بمأزق الاحتلال الأميركي للعراق.
ولعل الآلاف الذين تظاهروا في بوسطن, حيث كان مؤتمر الحزب الديمقراطي ليعبروا عن معارضتهم لسياسة الهيمنة, كانوا أشد مقدرة على اقتناص الإشارات التي انطوت عليها طروحات الديمقراطيين, والتي بدت في أغلبها تكرارا لأفكار الجمهوريين, وإن اختلفت المقدمات.
والواقع العملي بعد اختتام مؤتمر الديمقراطيين يكاد أن يعكس تلك الحقيقة, وهي أن كيري في خطابه المنتظر رغم محاولاته المستميتة لتبديد صورة التشابه مع بوش, لم ينجح في كبح مخاوف الأميركيين, كما أنه لم يتمكن من التخفيف من عوامل قلقهم المتزايد.
والسؤال هل كان ذلك انعكاساً لإفلاس في سياسة الديمقراطيين, أم ضعفا في أداء جون كيري, أم الأمر يتعلق بمعطيات عامة تحكم السياسة الخارجية الأميركية?.
من الصعب تحميل جون كيري المسؤولية, وهو الذي أبدى قدرة ونشاطا ملحوظين في مؤتمر حزبه, وبالتالي فإن التركيز على نقاط الاختلاف في السياسة الخارجية, وخاصة ما يتعلق باحتلال العراق, جاء ناقصا وغير مكتمل لافتقاده للوضوح من جهة, ولغياب استراتيجية فعلية قادرة على التعاطي مع المأزق القائم من جهة ثانية.
وفي الحالين ثمة حاجة فعلية تدفع بالديمقراطيين الى توضيح الكثير من النقاط المبهمة واتخاذ مواقف حاسمة تجاه العديد من المسائل الملحة المطروحة, والأكثر من ذلك الحاجة لتقديم تفسيرات لذلك التطابق المثير في الانحياز لإسرائيل.
قد تكون مقتضيات السباق الرئاسي ضاغطة إلى الحد الذي يصعب فيه التمييز بين الديمقراطيين والجمهوريين, ولكن الحصيلة تدفع إلى الاعتقاد بضرورة أن يكون تعاطي الديمقراطيين أكثر جدية.
ورغم هذا التفاوت في الأداء, فإن السياسة الأميركية التي تقودها إدارة الرئيس بوش, دفعت بالمشهد الدولي نحو مزيد من التأزم, ومثلما ينتظر الأميركيون الفوارق المهمة لكي يحسموا تصويتهم, فإن العالم ينتظر كي يتحرك لرأب الصدع الذي خلفته سياسة بوش وطاقم الحرب في إدارته.
وإذا كانت المقارنة سابقة لأوانها على ضوء الطروحات التي برزت حتى الآن, فإن التظاهرات في بوسطن قد عكست قلقا متزايدا, ومخاوف مشروعة من أن تكون سياسة الهيمنة نتاج مناخ عام أكثر منه نتاج نهج حزبي.
والرهان على التبدلات ينطلق من إدراك العالم بأن النتائج الكارثية التي قادت إليها سياسة التفرد, لا بد أن تكون أرضية لإعادة النظر في مفاهيم السياسة الأميركية, مهما يكن لون الادارة القابعة في البيت الأبيض, ولإعادة النظر في إنتاج الخطاب المغرق برغبته في الهيمنة والسطوة, لأن ما يعيشه العالم اليوم لا يخدم استقراره, ولا يحقق له تطلعاته المنشودة في غد أفضل وأكثر أمانا.