ويبدو أن العبرة والدرس قد وصلت رسائله المستوحاة إلى الجميع بمقدار الحقيقة المؤلمة ,والواقع الرديء الذي نعيشه كأمة عربية مستهدفة هي أحوج ما تكون به اليوم إلى خريطة طريق لنفسها.. ولحاضرها ومستقبلها معاً...
فليس أخطر مما يجري من جرائم الحرب في رفح وغزة والنجف وكربلاء, إلا السياسة الهوجاء التي يقودها ويمارسها شارون في فلسطين, وبوش في العراق, وهي السياسة غير المسبوقة بالأسوأ, وغير المحكومة بالعقل أو المنطق, وغير الخاضعة لأي تقدير, ولا لأية حسابات مألوفة, ولا تحكمها لا رؤية ولا رؤى, حتى أصبحت الساعات التالية تنبىء بالمجازر والجرائم في متوالية القهر والموت والتضحيات, التي يدفعها الشعبان الفلسطيني والعراقي على أعتاب قمة تونس..
هي قمة في مقاييس الزمن.. وقمة في مقاييس الحدث, وكلاهما يتسارع بقسوة وعنف وإيلام.. الأمر الذي يجعل القمة منعطفاً مهماً, ويضع القادة العرب أمام مسؤولياتهم التاريخية, لاستصدار القرارات.. وتفعيل الآليات.. والنهوض بالمسؤوليات وتحمل التبعات.. وتجاوز العقبات.. والانتقال بالواقع العربي من مرحلة الكمون الساكن في زمن يغلي بما يحمل, إلى مرحلة النهوض المتحرك في زمن تتسابق فيه الدول إلى الائتلاف, لا بل إلى التوحد, لمواجهة الأخطار المحتملة, والاستحقاقات المنتظرة, والتحصن بقوة الجمع والتوحد, لا الانحسار بضعف القسمة والانقسام.
ومشاركة السيد الرئيس بشار الأسد, المعروفة بفعاليتها, والمشهود بديناميتها تعطي اجتماعات القمة العربية اليوم دفعاً وزخماً, فيما يتنامى الشعور الوطني والقومي لدى الملايين العربية التي تتابع إيقاع القمة على امتداد الوطن العربي بأن قرارات مهمة ستصدر, وان استراتيجية عربية مستقبلية سترى النور, وان الأحداث المأساوية التي تشهدها فلسطين والعراق ستدفع القادة العرب إلى المزيد من التضامن واللحمة والتعاضد في مواجهة الخطر الذي يهدد الجميع بالخطورة نفسها والاستهداف ذاته...
وليتذكر القادة العرب ما قاله الرئيس الأمريكي في مؤتمر منظمة (إيباك) - وهي المرجعية الصهيونية لصنع القرار الأمريكي- عندما تحدث مزهوّاًً عن علاقة بلاده بإسرائيل ( إن أمننا أكثر قوة وأمناً لأن إسرائيل حليفة قوية ويمكن الاعتماد عليها) ويتساءلون, لماذا? ولتحقيق أية أهداف ستعتمد الولايات المتحدة على إسرائيل المزروعة في الجسد العربي? مع أنها سكنت العراق وتغلغلت في عقول الكثيرين.
لا متّسع من الوقت أمامنا.. ولا مجال لهدر الطاقة الكامنة في القمة العربية, ولا وقت لترف الاستعراضات القطرية الضيقة, ولا مناص من مواجهة الحقيقة في ظل تنامي وعي الخطر, وإدراك الجميع أبعاده ومراميه وأهدافه.
ثم لا حاجة لقرارات لا تنفذ.. ولا لتوجهات لا ندافع عنها.. ولا لمجاملات سطحية لا ديمومة لها, ستبقى أسيرة الجدران الشاهقة والأبواب الموصدة...
وليكن للموقف ثمن.. وللممارسة أثمان ندفعها.. وندفع بها خطراً يقرع الأبواب من الاتجاهات كافة.
رائحة الجرائم الإسرائيلية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني, والجرائم التي يرتكبها جنود الاحتلال في العراق تملأ الآفاق, وتعبق في فضاءات القمة, تستصرخ القادة العرب, وتستنجد بهم, وبقدرتهم, وإرادتهم على جعل القمة العربية الراهنة قمة التحولات الفكرية والعملية, التي ستؤسّس لانطلاقة عربية جديدة تكون أساساً لتحرك أوروبي نشط.. وتحرك دولي واسع لوقف الجريمة ودفع الخطر.. وامتلاك ناصية المبادرة العربية الذاتية لتحصين العرب, وتمكين الشعوب من بناء المستقبل الذي تنشد.
رائع أن تنعقد القمة.. وأن يشارك فيها القادر على المشاركة.. لكن الأروع أن تتخذ القمة العربية من القرارات والإجراءات ما يعزز الثقة بها كمؤسسة وبقادتها كأفراد,وبما يجعلها مؤسسة راسخة ملبية لتطلعات الشارع العربي, وحائزة على ثقة واحترام المجتمع الدولي ومؤسساته وقادته.
فهل تخطو القمة العربية خطوتها المنتظرة وتتجاوز في يومين محنة أحداث العام المنصرم?
هذا ما يتمناه الشارع العربي ويدعو إليه بإخلاص لا يعادله إلا إخلاص الرئيس بشار الأسد لشعبه وأمته.. ولهذا لابد من إخلاص العرب لسورية لأنها أخلصت لهم عبر التاريخ..
هكذا نفهم التضامن العربي.. وهكذا نفهم العمل العربي المشترك.