وبخاصة بعد تلاشي الأهداف الاستراتيجية للتحالف الهش الذي لم يبق منه إلاّ جانبيه الأبرز اللذين بدورهما يعيشان تناقضاً في المواقف.. والتصريحات.. وربما النيات, وأعني بذلك التحالف الأميركي- البريطاني, على أن التناقضات لن تفسد (للورطة) قضية, على الأقل من أجل إطلاق اسم (القوات متعددة الجنسيات) على الثنائي الأميركي- البريطاني, إذا ما مرّ مشروع قرارهما في مجلس الأمن.. وإذا ما صار للأمم المتحدة دورٌ ما, ولو اقتصر هذا الدور على رفع علم الأمم المتحدة, أو انتشار أعداد محدودة من معتمري القبعّات الزرق, مع أن مختلف دول العالم تطلعت فيما مضى, وتتطلع اليوم إلى دور حقيقي وفاعل للأمم المتحدة يخفف من ضغط الاحتلال ويعطي بارقة أمل للعراقيين.
لنفترض أن شيئاً ما قد تحقق خلال هذا الشهر الفاصل بين الاحتلال المباشر للعراق وغير المباشر, فهل ستكون الفروقات شاسعة بين ما قام به بريمر كحاكم (مدني) للعراق المحتل, وبين ما سيقوم به نغرو بونتي كحاكم (دبلوماسي) في العراق المصادرة سيادته, والمصادر قراره الوطني?
بلا عناء.. يمكننا القول بأن اللجوء إلى الأمم المتحدة, والاستنجاد برجال القبعات الزرق إنما هي عملية تجميلية, أو نكهات ومطيبات إضافية, لا يشبهه ولا يعادله إلاّ استبدال (بريمر) ب¯ (نغرو بونتي) فهناك اختلاف في الشكل والإخراج, وهنا اختلاف بالأسماء, أما الوظيفة فهي واحدة.. والهدف واحد.. وبالتالي فالنتيجة واحدة.. ذاك احتلال مباشر, وجهاً لوجه سيتحول إذا ما طابقت (حساب الحقل على حساب البيدر) كما يقال.. إلى احتلال بالواسطة, وهذا حاكم دبلوماسي جديد سيتولى صلاحيات بريمر كاملة, ولكن من خلف الستارة, مع الاحتفاظ بالأساليب والأدوات ذاتها.. لتحقيق الأغراض والأهداف ذاتها أيضاً.
فدبلوماسية (نغرو بونتي) معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب, على الأقل من خلال ما عرفناه وعرفنا عنه في مواقفه وخطبه ودوره ومداخلاته في مجلس الأمن الدولي, والنتائج الكارثية التي تحصدها المنطقة جرّاء ذلك لا تزال تتداعى وتتفاعل وتتجدد.. فإذا كانت دبلوماسية الرجل في مجلس الأمن الدولي وأمام مندوبي الدول الأعضاء, كانت على هذا النحو.. فكيف ستكون دبلوماسيته في العراق فيما تحتشد القوات الأميركية والبريطانية حوله, أو القوات المتعددة الجنسيات- إذا ما نجحت التسمية الجديدة?
والسؤال الذي يطلقه المتابعون للشأن العراقي, هو.. ترى مَنْ سيسيطر على مَنْ إذا ما تم تسليم السلطة إلى الحكومة العراقية الجاري طبخها الآن, والتي يبدو أنها نضجت للخروج من واقع أميركي مأزوم حد الهزيمة, نقول: فمن يسيطر على مَنْ.. الحكومة العراقية أم القوات الأميركية البريطانية?
وأي دور بعد ذلك للقوات البريطانية إذا ما تحوّل الاحتلال من الحاكم الذي يمثل قوات الاحتلال المختلفة, إلى السفير الذي يمثل بلاده فقط, حسب الأعراف الدولية والدبلوماسية..?
ولنفترض أنه تم توزيع الأدوار بشكل يوحي بأن الحكومة المنتظرة عراقية الأداء, فهل هذا يعني أنها صاحبة القرار في استثمار مخزون العراق من النفط?
مع أن هدف الأهداف الأميركية من غزو العراق واحتلاله هو السيطرة على منابع النفط والتحكم في مستويات التنمية في العالم, وفي المقدمة العالم الغربي, الذي يدرك الأبعاد والمرامي الكامنة وراء الاحتلال..
ولنفترض أيضاً أن كل ذلك السيناريو قد تحقق بالفعل, وأن الأداء على المسرح كان ممتعاً ومسلياً على الرغم من الدماء التي تسيل في شوارع العراق, والمعاناة السوداء التي عاناها ويعانيها نزلاء أبو غريب على يد الجنود الأميركيين, فهل ستشهد ساحة الانتخابات الأميركية ارتفاعاً في أسهم الرئيس جورج بوش بعدما انحدرت استطلاعات الرأي به شخصياً وبسياساته إلى أدنى مستوى لها?
وهل بوسع الرئيس إنقاذ سمعته في وسط أميركا على الرغم من دور الإعلام الموجه ببوصلة البنتاغون, بعد أن تلاشت سمعة الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها في وسط أوروبا ( القديمة والحديثة) بحسب تقسيمات رامسفيلد? فكيف الحال إذاً في أوساط بقية أنحاء العالم ومنه العالمان العربي والإسلامي?
وسواء انخفضت شعبية الرئيس لدى الأوساط الشعبية الأميركية بفعل السياسات والإخفاقات والفشل, أم ارتفعت بفعل نشاط (إيباك) ومنظمات الدعم الصهيونية هناك فإن الانخفاض الحقيقي والأهم هو سمعة الولايات المتحدة الأميركية وقيم شعبها ومبادىء ثورتها التي انخفضت على الساحة الدولية, الأمر الذي يدفع المواطن الأميركي ودافع الضريبة الطيب للدفاع عن نفسه وعن قيمه ومبادىء ثورته ولو كان المتهم هو الرئيس..