بهذه المقدمة الخالية من أية إشارة إلى الصراع العربي الإسرائيلي أعادت الولايات المتحدة الأميركية طرح مسودة مشروعها للشرق الأوسط الكبير, بعدما واجه انتقادات واسعة عربية وأوروبية وعالمية, تمهيدا لمناقشتها في قمة الدول الثمان التي ستعقد في أميركا خلال الأيام القادمة.
والمشروع الجديد المعدل واضح من عنوانه الرئيس حين أُغرق في تفصيلات وآليات بالإصلاحا في المنطقة من منظور أميركي, فيما أبدى وبشكل سطحي وعابر بمراعاتها لحل القضية الفلسطينية, واعتبر ذلك عنصراً من العناصر فقط..
ولو كانت مقدمة المشروع تقول: نحن قادة الدول الثمان ندرك أن السلام العادل والشامل القائم على مبادىء الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة, ومبدأ الأرض مقابل السلام, ورفض مبدأ الاحتلال وأسبابه ومعالجة نتائجه الكارثية, وانعكاسات ذلك على التطور الاقتصادي والاجتماعي, والرخاء, والاستقرار لشعوب بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, يشكل تحديات تهمنا نحن والمجتمع الدولي عموماً, ولهذا فإننا نعلن دعمنا المطلق لإصلاح السلام وإعادة الحقوق والأراضي إلى أصحابها الأصليين, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية, وتوفير الظروف الموضوعية المواتية لانطلاقة شعوب الشرق الأوسط نحو الاستقرار والرخاء والديمقراطية.
نقول: لو كانت مقدمة المشروع تحتوي مثل هذا النص مثلاً, لاعتبرنا الوثيقة وثيقة العصر, والمشروع مشروع الأمل في بناء الحضارة المستقبلية للإنسان في هذه المنطقة وفي العالم أجمع..
لكن ما نشر عن الأصل, والتعديل يوحي بأن الضغط الدولي من جهة, وإخفاقات الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية من جهة أخرى, أدى إلى الإشارة الساذجة.. العابرة.. لحل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي, فيما لم يرد أي ذكر للصراع العربي- الإسرائيلي, ولا لاحتلال إسرائيل للأراضي العربية, ولا لحقوق العودة أو السيادة للفلسطينيين.
حتى المرور السطحي على المسألة الفلسطينية لم يكن مفهوماً مع أنه أُقحم في التعديل إقحاماً قسرياً جراء الضغط الدولي, ولم تُحدد الوثيقة آليات تسوية الوضع الفلسطيني, فيما أُغرقت في آليات فرض بالإصلاحا وأساليب التدخل في الشؤون الداخلية للدول, تحت عنوان بخصوصية شعوب الشرق الأوسط, وتقاليدها, وغناها, وإسهامها في بناء الحضارة الإنسانية, وكذلك خصوصية كل بلد على حدةا, وهنا بيت القصيد.. ذلك أن النزاعات الإقليمية يجب ألا تكون عقبة أمام ب الإصلاحا الذي يمكن أن يشكل إسهاما باتجاه حلها - حسب الوثيقة - وهذا يعني ربط حل النزاعات المزمنة بآليات الإصلاح الأميركي بما يعني ما قالته كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي في لندن خلال زيارة الرئيس بوش إلى بريطانيا, من أن أميركا لن تنتظر حل النزاعات- وتعني الصراع العربي- الإسرائيلي- فهذا قد يؤجل إلى أجل غير مسمّى, ولسان حالها يقول: إن المهمة الأميركية الآن هي إصلاح الأنظمة العربية, وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع السياسات الأميركية الراهنة, وخلاصتها المكثفة الدعم السافر واللامحدود لسياسات شارون, كما صار واضحاً, وتوظيف احتلال العراق ومصادرة مستقبله وثرواته وتجييرها لحساب أميركا على المدى البعيد, وتوفير مستلزمات وظروف استمرار هذين النهجين تحت أية يافطة كانت, وبين طيات أي مشروع كان, وهذا هو المشروع, وهذه مقدمته.
ومن جمله بيعتبر كل بلد فريداً يجب احترام تنوّعها كما نصت الوثيقة يُفهم بلا عناء أن بالاستهداف الإصلاحيا سوف يتناول البلدان العربية بلداً.. بلداً, بمعنى الاستفراد المتعمد الذي يلغي كليا طبيعة الوطن العربي ككل, من جهة, ويستهدف مؤسسات العمل العربي المشترك, بما في ذلك مؤسسة القمة العربية التي حددت موقف العرب مجتمعين من المشروع إياه, ومن أهدافه.. والتداعيات من جهة اخرى.
لماذا.. لأن الولايات المتحدة الأميركية تعرف حق المعرفة أن أحد أهم أسباب قدرة العرب على المواجهة السلمية أو الصمود السلبي, إذا صح التعبير,هو هذا التماسك أو التضامن العربي, ولو في حدوده الدنيا, وهذا ماوقف حائلاً دون تحقيق أطماع إسرائيل كاملة, ودون تحقيق طموحات أميركا الواسعة بعد احتلالها العراق, ولعل استقالة جورج تينيت -مدير الاستخبارات الاميركية- الذي بالغ الرئيس بوش في توفير الحماية له, أولى تداعيات الفشل, وفاتحة لتداعيات أخرى قد تطول الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية, وفي حلم الرئيس بوش العودة إلى البيت الأبيض, مرة ثانية.
إذاً... الفكرة واضحة.. وهدف المشروع أوضح, وفي المقابل فإن قرار القمة العربية الساخن حبره.. والأنيق ورقه والمتصل بهذا الشأن, يحتاج الى جهد عربي فردي, وجماعي سريع, لوضع الموقف العربي أمام قمة الثماني, كموقف موحد ومتضامن, يخفف من وطأة التطلعات الأميركية, والعمل على تحويلها الى تطلعات أوروبية- عربية تخص دول المنطقة والشراكات الثنائية والجماعية العربية- الأوروبية فقط.. والعمل على أن تتحول أوروبا الى وسيط نزيه بين تطلعات العرب وبين الأطماع الأميركية- الإسرائيلية, وفق منظومة الشرعية الدولية, وقراراتها, ووظيفتها,وأهدافها التي نحترم,وبها نلتزم طوعاً..
فهل يسعفنا الوقت الآن كما لم يسعفنا من قبل..?
لا أعتقد..ولكن..!!