المهم أن ستاً وخمسين دولة اجتمعت, وشارك وزراء خارجيتها في الاجتماع الوزاري للمنظمة في استنبول, وناقشوا المستجدات, واتخذوا القرارات, وتناولوا الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الذي يشكل المركز بالنسبة للعالم الإسلامي, فيما تشكل سورية المركز بالنسبة للشرقين.
ولعل من أبرز قرارات المؤتمر, الإجماع الذي اتخذ فيه قرار إدانة العقوبات الأميركية على سورية, والحماس اللافت الذي أبداه المجتمعون, والتصفيق الحاد الذي تلا تلاوة القرار بلا امتناع عن التصويت, أو تحفظ على النص, أو حتى غياب مقصود أو غير مقصود عن جلسة التصويت التي دوّت فيها قاعة الاجتماعات...
وإذا كان من دلالات لاتخاذ القرار بهذا الإجماع, فإن من أبرزها قدرة المؤتمرين ومنظمتهم على اتخاذ مثل هذا القرار في هذا الوقت, والاحترام الشديد الذي تكنه دول منظمة المؤتمر الإسلامي للسياسة السورية التي يرسم معالمها, ويؤطر أبعادها ويحدد أهدافها السيد الرئيس بشار الأسد, ولطواقم وخبرات الكوادر السياسية السورية التي تتولى ترجمة المعالم المرسومة, والأبعاد المؤطرة, والأهداف المحددة, إلى عمل سياسي نشط ودينامية دبلوماسية معروفة, وإلى جسور من العلاقات والصداقات التي أقامها المعنيون مع مختلف دول العالم ومسؤوليها, وقياداتها, ومراكز القرار فيها.
وقبل هذا وذاك إلى استثمار التراكمات البينية والعلاقات الإيجابية التي أقامتها السياسة الخارجية السورية مع دول العالم المتباينة مواقفه في مكان, والمنسجمة في مكان آخر, ومنها المنظمات والاتحادات الإقليمية والدولية كمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ولم تقتصر الإدانة للعقوبات الأميركية (مع تدني تأثيرها الاقتصادي واتساع تأثيرها المعنوي) على دول منظمة المؤتمر الإسلامي, وإنما على أغلب دول العالم التي حددت موقفها بوضوح, وكل له أسبابه.
ولعل من أبرز الأسباب هو المصداقية التي تتحلى بها السياسة الخارجية السورية, والمرونة التي تتسم بها مع العقلانية الثابتة, والصلابة الواثقة من النفس والموقف, بالإضافة إلى الاحترام المسؤول, وهذا ما يدفع الكثير من دول العالم لمساندة الموقف السوري لأنه موقف أخلاقي, لم يتبدل يوماً, وما نالت منه الانتكاسات التي يشهدها عالم اليوم, ولا التذبذبات التي درجت عليها سياسات الكثيرين وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في نيويورك.
صحيح أن بياناً تضامنياً محدود التأثير على علاقة ثنائية سورية ¯ أميركية متشجنة حيناً, وهادئة حيناً آخر, ومتوترة من الجانب الأميركي في كل الأحيان, إلا أن الصحيح أكثر هو أن الاستنكار العالمي لقرار العقوبات الأميركي أسهم في محاصرة صانعي القرار أدبياً ومعنوياً, وهذا يكفي في المرحلة الأولى تمهيداً لتوسيع دائرة الاستنكار والاستهجان, وإسقاط القرار عملياً, كما هو ساقط نظرياً, فمن أوروبا إلى أميركا الجنوبية, إلى آسيا وأفريقيا, مروراً بمنظمة المؤتمر الإسلامي في استنبول بعد القمة العربية في تونس, تشكلت منظومة دولية أجمعت على أن قرار العقوبات هو قرار ظالم, جائر, لا يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية ولا شعبها النبيل, بقدر ما يخدم إسرائيل وقادتها وأطماعها في المنطقة, وهذا إنجاز كبير ومهم يسجل في سفر السياسة السورية وثوابتها ومبادئها, وأدوات تسويقها التنفيذية المسلحة بالخبرة المتراكمة الممتدة على مساحة أكثر من ثلاثة عقود ونيف, والحداثة والشفافية, ومنطق الحوار العقلاني, المضاف إليها في الزمن الأصعب والأكثر خطراً وخطورة.
ويكفي السياسة الخارجية السورية ما قوبل به قرار الإدانة من تصفيق حاد لمجلس وزاري على هذا المستوى, وفي هذا الظرف الأميركي الطاغي بالتهديد والوعيد والاجتياح .. والاحتلال..
فلنعترف بالحقيقة .. ولنتوقف عن جلد الذات في زمن تتعرض فيه الأمتان العربية والإسلامية للجلد علناً وبأدوات أميركية متطورة وعقل صهيوني متطرف.
وها نحن نتجه إلى الصين في زيارة هي الأولى لفتح آفاقٍ جديدة نعتمد فيها الأسس والثوابت إياها لتحقيق المطلوب ولنا مع هذا الجانب وقفة أخرى..