فالخطوة تاريخية بكل المقاييس, هكذا وصفها الصينيون.. وهكذا وصفها السوريون الذين يتطلعون الى النموذج الصيني باعتباره فريداً من نوعه, سواء لجهة الانفتاح الاقتصادي وارتفاع مستويات التنمية, أو لجهة الثبات على الكثير من المسلمات الاقتصادية والسياسية التي انتهجتها الصين والحزب الشيوعي الصيني على خلفية تجربة الاتحاد السوفييتي قبل السقوط, وتجربة روسيا بعده, بماعرف باقتصاد السوق, القائم على ربط الفكر الايديولوجي بفكر اقتصاد السوق الموجه والمخطط له مسبقاً.
ومن أهمية الزيارة الحدث, أنها تأتي في ظرف دولي لا اتزان ولا استقرار ولاوضوح فيه, وهو بأمس الحاجة إلى موقف صيني طموح, يعيد الى الأوضاع اتزانها واستقرارها, ويسهم في وضع الكثير من النقاط على الكثير من الحروف, تمهيداً لوضع منهج دولي متوازن يعيد لهيئة الأمم المتحدة هيبتها.. وللمجتمع الدولي ومجلس الأمن وقاره.
فالأبعاد الاقتصادية التي ستتناولها الزيارة تتساوق مع الأبعاد السياسية, وفي الشأنين للصين باع طويل, يلتقي في كثير من نقاط الالتقاء والتقاطع مع مواقف سورية السياسية والاقتصادية, حيث تضيف الزيارة لبنات جديدة إلى بناء العلاقات الثنائية القائم والمستمر منذ ثمانية وأربعين عاماً عندما بدأت مسيرة علاقات البلدين.
وفي محطة الصين, تتسع حلقة التحرك السياسي السوري النشط والفعّال, وتمتد فاعلية الرؤية السورية لأحداث العالم, وتأثيرها وتأثرها في حملة الحوار العقلاني التي أطلقها الرئيس بشار الأسد وأطلقتها سورية
دفاعاً عن الحق الساطع والحقيقة المغيّبة بفعل سياسات الهيمنة والسيطرة السائدة في عالم اليوم.
فالصينيون يعرفون تماماً هذه الحقيقة, وقد عبروا عنها في مواقفهم, وأعني حقيقة الصراع العربي- الصهيوني, وحقيقة احتلال العراق, والأهداف المعلنة وغير المعلنة, ولهذا فإن المحادثات المنتظرة بين الجانبين السوري والصيني ستشهد توافقاً إن لم نقل تطابقاً في وجهات النظر إزاء العديد من قضاياومشكلات المنطقة والعالم, الأمر الذي يجعل الحوار مفيداً وناجعاً وناجحاً بنفس الوقت يؤسس لشراكة من نوع ما في المستقبل ..
قطع الصينيون في رؤيتهم للاقتصاد المعاصر خطوات مدروسة, فلم تبهرهم (خبطات) التحولات الدراماتيكية, ولاتقوقعوا في الأطر التقليدية الموغلة في النظريات, واختاروا الطريق الثالث , فحافظوا على إرثهم وتراثهم من جهة, ودخلوا عوالم الاقتصاد المرن بمعدلات تنمية عالية من جهة ثانية, وكانت عيونهم على السواد الأعظم من الشعب كي لاتهتز مداخيلهم, ولاتنهار ثوابتهم الاقتصادية مع زج الجميع في خطط التنمية المتصاعدة التي اقتضت الضرورة ضبط نموها المتزايد بحيث لاينعكس تسارعها سلباً على الناس مع أنها ظاهرة إيجابية, ومع ذلك تم اخضاعها للتسارع المدروس, خطوة.. خطوة, وبتخطيط مسبق, وهذا ما يتوافق مع الرؤية السورية للانفتاح المدروس الذي يحمي مصالح السواد الأعظم من المواطنين, ويحملهم في آنٍ لولوج المستقبل الاقتصادي المرسوم.
فالتجربة الصينية رائدة باعتراف الاقتصاديين العالميين, وناجحة باعتراف الصينيين انفسهم, وهم اليوم يؤسسون للدولة الاقتصادية العظمى القادمة, التي تحتل مساحتها بخصوصية نموذجها القائم على التزاوج بين الايديولوجيا والتكنولوجيا.
ولا ندّعي اذا ما قلنا بأن لسورية تجربتها أيضاً في ميادين اقتصادية عديدة, ولعل الزراعة بأنواعها منها, وما حققته سورية في هذا الميدان يؤخذ به في غير مكان, وبخاصة في الصين ولدى قادتها, الذين اشادوا يوماً بهذه التجربة الرائدة.
وهذا يعني أن تبادل المعلومات والخبرات والتجارب في زمن التكنولوجيا الصينية المتطورة يسهم في تعزيز العلاقات الثنائية وتعميقها أكثر بما ينعكس على الشعبين في البلدين الصديقين ويفتح أمام سورية آفاقاً واسعة, أراد الآخرون تضييقها إن لم نقل إغلاقها.
فالبوابة التي يلجها الرئيس بشار الأسد اليوم واسعة وواقعية, وخطواته إليها واثقة ومدروسة, فهي تأتي في إطار التحرك السياسي الذي يقوم به الرئيس حاملاً الهم القومي قبل الوطني ومعه .. وسيادته على استعداد ليجوب العالم كلّه دفاعاً عن قضية شعبه ووطنه وأمته, وشعاره الحوار العقلاني الهادىء.. الواثق بالنفس والشعب.