بل كان يوما تاريخيا وحدثا مفصليا جعل المحللين السياسيين والعسكريين يقرؤون برؤية جديدة لم تكن متداولةمن قبل .
فقد اثبتت حرب تشرين ان التضامن العربي هو السور المنيع أمام الأمة لحماية نفسها و استرجاع حقوقها وامتلاك ثقتها بنفسها وبقدراتها على استخدام التكنولوجيا الحديثة والصمود ضد التوسع والتآمر والعدوان.
كما أثبت الحرب أن استخدام العرب لطاقاتهم الاقتصادية كسلاح سياسي وفي مقدمتها (النفط ) يمكن ان يحقق الفائدة المرجوة لدعم قضاياهم العادلة , فقد أدى استخدام البترول كورقة ضغط إلى إلحاق اضرار مادية فادحة باقتصاديات الدول المؤيدة لاسرائىل وإلى التحكم بسعره وبكميات استخراجه وعائداته.
ولعل أكثر العبر التي يمكن استخلاصها من حرب تشرين ان اسرائيل ماكانت لتكسب معركة خاضتها مع الدول العربية لولا دعم الولايات المتحدة الاميريكية لها بكل صنوف الاسلحة وانواعها وبالهبات المالية والاقتصادية التي تغدقها عليها , فقد ظل بقاء الكيان الاسرائيلي على كف عفريت - كما قال بول فندلي عضو الكونغرس الاميركي آنذاك - الى ان قامت واشنطن بوضع قواتها في حالة استنفار قصوى وزودت اسرائيل بجسر جوي وبكميات هائلة من الاسلحة والتموينات كانت لها بمثابة شريان الحياة الذي يغذيها ويحافظ على وجودها .
واليوم وبعد مرور واحدوثلاثين عاما على حرب تشرين أبدى العرب خلالها رغبتهم بالسلام العادل والشامل واعتباره خيارا استراتيجيا لهم فان اسرائيل لا تزال تعببر عن طبيعتها العدوانية القائمة على الاحتلال والاستيطان والارهاب وارتكاب افظع المجازر وابشعها وما يجري هذه الأيام في قطاع غزة من قتل للمدنيين وتدمير للبيوت وتجريف للأراضي خير شاهد على ذلك .
كما تأتي الخطوات الاسرائيلية الرامية الى القضاء على أي فرصة للسلام قد تلوح في الأفق لتفصح حقيقة المبادرات التي تطرحها حكومة الارهابي شارون كالانسحاب من غزة وغيرها ولتؤكد انه لا يبدو في افق السياسة الاسرائيلية مايبشر بامكانية تغيير العقل الاسرائيلي المنحرف والقائم على اعتبار القتل والارهاب والمجازر والاستيطان ركيزة أساسية من ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة .
وفي الاتجاه ذاته يأتي الدعم الأمريكي المتواصل لاسرائيل وغض الطرف عن جرائمها النكراء وقلب الحقائق من خلال تصوير الارهاب الاسرائيلي كدفاع عن النفس والمقاومة العربية ارهاب تجب مكافحته واستخدام مجلس الأمن الدولي كأداة للضغط على الدول العربية بما يخدم المشروع الاسرائيلي - كما هو الحال بالنسبة للقرار 1559 - لتؤكد جميعها صعوبة التغيير في العقل الأمريكي تجاه اسرائيل , وهو مايدعونا إلى ضرورة التمسك بالتضامن العربي الذي كانت حرب تشرين احدى ثماره اليانعة .