لا يبدو قرار حرب تشرين التحريرية جزءاً من سياق تاريخي عاشه العرب مطلع السبعينيات وإثر نكسة حزيران, وهو أشبه بما يعيشونه اليوم من الفرقة والتشتت وغياب أية رؤية وحدودية واستراتيجية يبدد أي احتمال ينطوي على المبادرة والفعل.
لقد عصف قرار حرب تشرين التحريرية بالحقبة التاريخية التي اتخذ خلالها, بددها, قلبها رأساً على عقب, انعش الروح العربية الخاوية, استعاد الذات التي تكالب عليها القهر والعجز واستبدل الهزيمة بالانتصار, وكما لو أنه الزلزال, يزلزل الأرض وما عليها, يعيد تشكيلها وبناءها, وحياة القائمين عليها.
ما أشبه اليوم العربي الذي نعيشه اليوم بذلك الذي عشناه عشية الحرب, وكدنا نظنه دهراً مقيماً, ومصيراً محتوماً لا خلاص منه, وليلاً لا يأتي الصبح بعده.
وما أشبه عرب اليوم بعرب ما قبل تشرين 1973 وما بعد حزيران 1967 كل في واد, وكل يلهج بسلامة الرأس دون الآخرين, وينوء تحت وطأة العجز واللاجدوى كما لو أنها نهاية العالم.
هل هذا هو التاريخ, وهل هي صيرورته?
لعله على هذا النحو فعلاً ولعله أكثر قسوة وغرابة من ذلك, بانقلاباته غير المنظورة أو المحتملة, أو بارتداداته غير المحسوبة والمفاجئة, لكنه يظل التاريخ الذي لا يتوقف عن المسير, يظل الحامل لغيب يعتمل في الخفاء, ولا يوحي به سياقه ووقائعه الراهنة أو المعاشة.
تماماً كما كان قرار حرب تشرين 1973 الذي نحته القائد الخالد حافظ الأسد, فانعطف بالتاريخ وانعطف التاريخ به.
هل ننتظر تشريناً آخر; ومن طبيعة أخرى?
كان تشرين 1973 حرباً تحريرية, هدفت إلى تحرير الأرض والإنسان وكان التاريخ العربي عشية الحرب مشبعاً كما اليوم; بالهزيمة والانكسار واللاجدوى, فانقلب التاريخ واختلف المسار, كانت الحرب أداة ووسيلة, لكن الإرادة, كانت الأبقى وبؤرة التغيير, وعلى متنها وحاملها تعرف التاريخ إلى مساره الجديد.
تشرين الآخر رهن الاحتفاظ بإرادة التغيير والأمل بتجديدها كلما وهنت, وإعادة صقلها كلما أغبرت, وإن اختلفت الأدوات والوسائل بحسب ما يسمح به المناخ التاريخي, وهذا بعض من دروس تشرين الأول وتجليات ذكراه.