نميز أنه لا بد من التوقف بكثير من التقدير والاحترام لكل موقف عبَّر عنه نخبة من البرلمانيين البريطانيين في وقت يعز فيه على بعض العرب التعبير عن موقف مماثل, بل بأقل بكثير مما جرى التعبير عنه من قبل أصدقاء فلسطين ولبنان وسورية في مجلس العموم البريطاني.
ففي الوقت الذي يقول فيه البعض من الأشقاء في القرار 1559: إنه قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي, ولا نملك سوى التعامل معه بجدية ومسؤولية, يصف البرلمانيون البريطانيون القرار بالمهزلة, ويقولون: إن الولايات المتحدة التي ضغطت من أجل استصداره تنشر قواتها في مناطق عديدة من العالم, وتقف بالمرصاد ضد أي مشروع قرار يسعى مجلس الأمن إلى تبنيه ضد إسرائيل باستخدام الفيتو, معتبرين أنه قرار شاذ لا يعكس حقيقة الواقع على الارض.
وفي الوقت الذي يعتبر البعض منا أن الحديث عن تابعية بريطانيا سلبية ومرفوضة لكل ما تقوله واشنطن يضر بالعلاقات العربية-البريطانية, ينتقد البرلمانيون البريطانيون رئيس حكومتهم توني بلير وسياسته تجاه إسرائيل, وتبعيته للولايات المتحدة, ويطالبونه بممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على إسرائيل, والكف عن توجيه الدعوات إلى الفلسطينيين لوقف (العنف), ذلك أنهم يرون في هذه الدعوات تجاهلاً واضحاً للمشكلة الحقيقية المتمثلة بضرورة إنهاء احتلال إسرائيل لجميع الأراضي العربية.
وفي الوقت الذي يتردد فيه الكثير من الأشقاء باتخاذ قرار وقف التعاون والتطبيع مع إسرائيل رغم أن ذلك يمثل إرادة شعبية عربية ضاغطة, فضلاً عن أن قرارات القمم العربية واضحة لجهة مطالبة الحكومات بوقف التطبيع-يطالب البرلمانيون البريطانيون حكومتهم بمقاطعة إسرائيل, وبتجميد اتفاق الشراكة الأوروبية معها, وفرض عقوبات اقتصادية ضدها في حال امتنعت عن وقف الاستيطان وبناء الجدار, وفي حال عدم استجابتها بتطبيق القرارات الدولية القاضية بإنهاء احتلالها للأراضي العربية.
وفي الوقت الذي تكتفي فيه العديد من الحكومات العربية بالحديث عن خطة خارطة الطريق-على عجرها وبجرها- وكأنها خطت بأقلام قديسين, هم ذاتهم ينكرون قدسية نصوصها وما جاء فيها من بنود واستحقاقات ومواعيد, على غرار تراجع الرئيس الاميركي جورج بوش مؤخراً عن 2005 كموعد لقيام الدولة الفلسطينية واستبداله ب¯ 2009 كموعد لتحقيق ذلك... نقول في هذا الوقت, ينظر البرلمانيون البريطانيون إلى هذه الخطة على أنها قاصرة ومجرد خدعة, ويشككون بنية وجدية الرئيس بوش في إقامة سلام حقيقي بالمنطقة, ويؤكدون أنه لا بد لإحلال السلام من الانسحاب الإسرائيلي الكامل من فلسطين والجولان وجنوب لبنان.
إن ما صدر عن البرلمانيين البريطانيين, وما حدث تحت قبة مجلس العموم مقارنةً مع بعض المواقف العربية, إنما يمثل مفارقة ربما تكون الأكثر إيلاماً, والأشد وقعاً على ضمير كل عربي, إذ لا يمكن فهم تلك المواقف العربية سواء كانت تمثل رأي الأشخاص أم الحكومات!!.. وإن مثل هذه المفارقة تطرح السؤال عما إذا كان بمقدور أصحاب هذه الآراء-أشخاصاً وحكومات- العثور على تفسير مقنع يقدمونه للمواطن العربي, يبين مبررات ذلك التباين بين مواقفهم ومواقف البرلمانيين البريطانيين الأصدقاء, الذين لم يكترثوا لكل الضغوط والمضايقات التي تمارس ضدهم ويتعرضون لها, والذين عبروا بكل جرأة وموضوعية عن طبيعة إسرائيل, وعن سياسات لندن وواشنطن, وعن جوهر الصراع وعناصر السلام بما يتضمن من استحقاقات على إسرائيل الوفاء بها وعدم التملص منها!!.