فإعلان الولايات المتحدة عن توحد وتوافق موقفها مع إسرائيل لجهة رفض القرار وعدم الإقرار باختصاص المحكمة للنظر في مثل هذه القضايا, وذلك على عكس ما تراه المحكمة والأسرة الدولية مجتمعة, وكيل التهم إلى المحكمة على أنها تضم أكثرية أوروبية منحازة لصالح العرب والفلسطينيين يطرح التساؤل عن الخطوة الأميركية- الإسرائيلية التالية.
وفي الإجابة على التساؤلات الكثيرة التي تلف قضية الجدار ومصير قرار محكمة لاهاي يمكن القول: إن وضع القرار موضع التنفيذ والحؤول دون دفنه في أدراج المحكمة وبين ملفات وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة- كما هو الحال لعشرات القرارات السابقة- يحتاج إلى إرادة وتصميم عربي ودولي لإحقاق الحق والانتصار له حتى لو اقتضى الأمر العمل على فرض إصلاحات على آليات العمل الحالية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
فإذا كانت هذه الآليات تقضي بنقل أي موضوع إلى الجمعية العامة بعد فشل وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بشأنه لدى طرحه عليه ثلاث مرات, فإن من المنطق حينذاك أن يكون قرار الجمعية العامة ملزماً كما هو الحال بالنسبة لقرارات المجلس, وإلا فما معنى الإحالة إلى الجمعية العامة مع الإبقاء على عدم إلزامية قراراتها?!
وبالعودة إلى قضية الجدار نجد أنه ومنذ مطلع العام الحالي عملت واشنطن على تعطيل اتخاذ مجلس الأمن قراراً بشأنه, مما استدعى نقل المسألة إلى الجمعية العامة التي اتخذت القرار في شباط الماضي بعدم شرعيته وبإدانة إقامته والمطالبة بإزالته.
وإن عدم إلزامية القرار الذي اتخذته بالإجماع استدعى بدوره عرض القضية على محكمة لاهاي التي أعادت القضية إلى الأمم المتحدة برأي استشاري يؤكد عدم شرعية الجدار ويدعو إلى إزالته, فهل تشكل دورة قضية الجدار فرصة لإحداث تغيير في الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية, وهل تكون مناسبة للمطالبة بإصلاحات في آلية عمل الأمم المتحدة والتي بات الشروع بها ضرورة وحاجة ملحة في ظل هيمنة وتعطيل الولايات المتحدة لعملها?!.
لن نستبق الاجتماعات المزمع عقدها الأسبوع القادم في الأمم المتحدة للنظر في عدم شرعية الجدار ورأي المحكمة الدولية, لكن المعطيات الأولية تؤشر إلى أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن سياسة الهيمنة أحادية الجانب, وتتجه إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد القرار, وبالتالي إجهاض تحقيق العدالة الدولية, لتضيف بذلك إلى سجلها واقعة جديدة تعيب سياستها, وتدين ممارساتها, وتلاحقها لأجيال, وتلحق العار بها لسنوات إلى أن تفيق أو يستفيق العالم لمواجهتها.
وعلى الرغم من عناد سيرورة الأحداث يبقى القول صحيحاً بأنه إذا كان للباطل جولة فإن للحق جولات, وإنّ كل ما يجري لن يغير شيئاً في الحقيقة ولن يضعف إيمان أمتنا بعدالة قضيتها, كما لن يؤثر في عزيمة شعبنا الفلسطيني المصمم على انتزاع حريته وحقوقه طال الزمن أم قصر, أخذت العدالة مجراها أم لم تأخذه.