ولا ينسى قادة ذلك اليسار استعادة السيناريو الذي ذهب باسحاق رابين الى المقابر, وليقولوا لنا ما يعتقدون إننا نجهله بأن يتحول ارييل شارون الى اسحق رابين آخر, فيدفع حياته على يد متطرف ما ثمناً لتوجهاته (السلمية)!
هكذا, وجرياً على عادته وتاريخه, يحول اليسار الاسرائيلي شارون الى داعية سلام, فيما يحول نفسه الى ضحية, واسرائيل الى حمل تتكاثر النصال عند عنقه, فيوجه اللوم الى المستوطنين المتطرفين, ويتباكى على مصير مظلم يهددون به?
ترى, هل بات شارون مقيماً في صفوف اليسار, أم أن هذا الأخير صار ستراً وغطاءً لشارون?
يعجز السياسي المتمرس والمحنك عن إدراك البرزخ الفاصل بين اليسار واليمين في اسرائيل وبين الاسرائيليين, تماماً, كما عجز العرب عن التمييز بين شارون وبراك, وبين رابين وبيغن طيلة العقود الخمسة من الصراع مع اسرائيل ومشروعها التوسعي, فكلاهما طرة ونقش في آن معاً ولعملة واحدة, وكلاهما ينتقل الى الموقع الآخر حين يكون هذا الآخر في السلطة.
وإذا كان اليسار الاسرائيلي هو عراب الاستيطان والمستوطنين, حين استقدمهم من كل اصقاع الارض ودفع بهم الى حيث تذهب دباباته وجنوده ومنذ قيام دولة الكيان وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي, وإذا كان هذا اليسار هو صاحب ومنفذ نظرية القضم والتوسع والاستيطان في الارض العربية وهو الذي شن معظم حروب اسرائيل على العرب وابقى على كل الاحتلالات التي (انجزها) بنفسه او بالوكالة عن المتطرفين, فلماذا يشكو اليوم من الاحتلال ومن المستوطنين, ولماذا يحاول الفصل والتمييز بين وجهه وبين صورة هذا الوجه في المرآة فهذا يسار وذاك يمين?
وإذا ما ذهبنا مع اليسار الاسرائيلي وقادته في توقعاتهم وتخميناتهم حول سيناريو الحرب (الأهلية) الاسرائيلية على خلفية تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة, فإننا نقول, ان هذه الحرب حقيقية وواقعة لا محالة, أما توقيتها, فليس في المستقبل, بل منذ خمسين عاماً ويزيد لا تزال مشتعلة, وأما ضحاياها, فليس اليسارالاسرائيلي آخرهم وفق السيناريو , بل الفلسطينيون أولهم وآخرهم, بدأت الحرب بهم وستنتهي إليهم.
هذا يسار يعرج أمام يمين يتظاهر بالشلل!!