أما أن تتحول إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى قوة وأداة معطلة للأمم المتحدة ولدورها, وبالتالي معطلة لسيادة القانون في مكان والتشدد فيه في مكان آخر, فهو ما لم يعد مقبولاً على الاطلاق, وبات موضع رفض حكومات وشعوب العالم قاطبة.
ففي مراجعة سريعة لسلوكيات الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن خلال فترة قصيرة, يستطيع أي مراقب أن يقع على الكثير من التناقضات والمغالطات والتجاوزات القانونية والأخلاقية, وبما يكفي لإدانة وتجريم الإدارة الأميركية بالخروج على القانون الدولي وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة مرات ومرات.
ولعل مشروع القرار الأميركي المطروح على مجلس الأمن بشأن تجديد استثناء الأميركيين من الملاحقات القضائية أمام محكمة الجنايات الدولية يطرح قضية حماية أولوية القانون, وعدم جواز استثناء أي أحد ليكون فوق القانون بكل أبعادها كقضية قانونية وأخلاقية وإنسانية, خاصة بعد أن ثبت للعالم أجمع بشاعة الممارسات الأميركية في العراق, وانحياز واشنطن المطلق لإرهاب إسرائيل المنظم ضد الشعب الفلسطيني.
والمشروع الأميركي المطروح بهذا الشأن لا يمثل الدليل الأول أو الوحيد على خروج واشنطن على القانون الدولي, وإنما هو جزء من ممارسات غير قانونية باتت تشكل عبئاً على مجلس الأمن, تعطل عمله تارة, وتمنعه من أداء دوره تجاه العديد من القضايا الدولية تارة أخرى.
فتوفير أميركا الحماية لإسرائيل داخل المجلس إن من خلال استخدام الفيتو أم من خلال التهديد باستخدامه جعل من إسرائيل حالة فوق القانون, كما تريد أن تجعل من عسكرييها وموظفيها وعناصر أجهزتها الأمنية والاستخباراتية في العراق وغير العراق أناساً فوق القانون.
المتمعن في السلوكيات غير القانونية التي تعكس سياسة الإدارة الأميركية, لايحتاج لإطالة التفكير ولا لعميق التحليل كي يتوصل إلى حقيقة أن واشنطن لم تعد تكتفي بمعاييرها المزدوجة, فراحت تكيل بمعايير متعددة دون أن تشعر بالحرج ممن تسميهم بالشركاء والحلفاء والأصدقاء.
يجب ألا يغيب عن بال أحد أن حصول الولايات المتحدة على ما تريد عن طريق مجلس الأمن يمثل نصف الحقيقة وليس الحقيقة كلها, ذلك أن واشنطن راحت تمارس سياسة الابتزاز على أوسع نطاق- وهي تتأبط الفيتو- لتصل في النتيجة إلى هدفها, أو تجعل المجلس يفشل في التصدي لمهامه وتظهره بمظهر العاجز عن أداء دوره.
وليس أدل على ذلك من عدم حصولها العام الماضي على استثناء الأميركيين من الملاحقات القضائية, إلا بعد أن ساومت وابتزت المجلس إلى أقصى الحدود, فوضعته أمام خيار الموافقة على مشروع قرارها بهذا الخصوص أو استخدامها الفيتو لمنع التجديد لتدخل الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك أو في أي مكان آخر في العالم.
إن الولايات المتحدة وبدلا من أن تلعب دوراً حيوياً كقوة عظمى من أجل تكريس وترسيخ أولوية القانون وصيانة الحقوق, فإنها بسلوكها غير القانوني وبممارستها سياسات الابتزاز والمقايضة والمساومة, باتت تشكل تهديداً خطيراً لمستقبل العلاقات الدولية, ولأسس ومبادىء النظام الدولي, فهل تحظى أولوية القانون بترجيح القوى الدولية لها بموقف أكثر فاعلية وحزماً في ممانعة ورفض ومواجهة الطروحات الأميركية?!