أوروبا ذاتها بعيد الحرب العالمية الثانية , كانت بحاجة الى مشروع اصلاح وتحديث, وقد نجح مشروع مارشال الأمريكي في انتشالها وإعمارها وإعادتها الى سكة القطار الحضاري, ومع ذلك فقد احتفظ كل من مجتمعاتها بخصوصيته وهويته.
وفي الأصل, فإن التقنية وتطوراتها هي لغة إنسانية سواء كانت في أمريكا أم في أوروبا أم في الهند, وهي في الوقت ذاته, تشكل العمود الفقري لأية عملية تطوير أو تحديث, ودون أن يكون ذلك مرهونا بثقافة ما أو هوية محددة , ودون أن يعني ذلك اختراق هذه الثقافة أو تلاشي تلك الهوية.
ومع زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين, يرافقه وفد سياسي واقتصادي وإعلامي كبير, فإن الحديث عن عملية التطوير والتحديث ينحو نحواً متخصصا بالنظر إلى التجربة الصينية في التطوير والتحديث, والى الموقع الذي تقيم فيه الصين في أعلى سلم النمو الاقتصادي العالمي, وأخيرا, الى الخصوصية الصينية التي لم تتأثر بالوجه التقني للتجربة, ولم تفقد هويتها باشتراطات النمو والتحديث.
ولعلنا هنا, أمام نموذج للتحديث , يصلح معيارا للاقتداء والتمثل بعد النموذج الماليزي او الى جانبه , ويصلح كذلك للنقل والتطبيق في خطوطه العريضة ومقولاته الكبرى, مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الأساسية لما بين الصين وسورية.
غير أن ذلك لا يعني عزوفنا عن الاطلاع على التجربة الصينية, وخاصة ما يتصل منها بالعلاقة بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي وإداري في عملية التحديث, فقد انجز الصينيون نموذجا جديدا وغير مسبوق في إعادة تنظيم هذه العلاقة وفي تحديد دور كل منهما وتأثيره في الآخر.
وإذا كان أروع ما في التجربة الماليزية نجاحها في عملية توطين التكنولوجيا بعد نقلها, ثم إعادة إنتاجها ثقافيا لتغدو ماليزياً خالصة, فإن أروع ما في التجربة الصينية, هو نجاحها في تفكيك وإعادة بناء علاقة السياسي بالاقتصادي والإداري , ونحن في الواقع , بحاجة الى كلا النجاحين والى كلا التجربتين.
كلنا تابعنا عملية التفكيك وإعادة البناء تلك بكثير من الإعجاب , نظرا الى ما رافقها من ضرورات الاستجابة لمتطلبات التغيير والتحديث, ومن هدوء ووعي رافقا العملية عبر جملة تدرجاتها, وها نحن نتطلع اليوم الى معرفة التفاصيل والمراحل التي مرت بها, ونجحت في بلوغ غاياتها الحاضرة اليوم .
جانب آخر في تاريخية الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس الى الصين, أن نجيد نقل التجارب وتوطينها وإعادة إنتاجها بالثقافة والهوية والخصوصية التي نريد!!