ما من شك بأن هناك بلداناً كثيرة في هذا العالم تتصف بجمال أخاذ.. إن بغاباتها وأنهارها, أو بجبالها وسهولها.. ولكن.. أي بلدٍ في هذا العالم تجد فيه البحر شاسعاً بشطآنه وخلجانه وأمواجه الهائجة حيناً والهادئة أحياناً.., وتجد فيه غابات تخيم عليه وترتفع من ساحله لتتسلق الجبال متراكضة خلفها وعلى امتداد البصر... وكأن هذه الجبال ترسل أخبارها الى البحر وساحله عبر رقرقة مياه الأنهار, وثرثرة الينابيع?.. عشرات الأنهار.. ومئات مئات الينابيع.. ومن المنابع الى المصبات.. تحكي أجمل الحكايا.. وترسم أجمل اللوحات...
أي بلد في هذا العالم.. تجد فيه الى جانب ذلك سفوح الزيتون.. والتين وعناقيد الكرمة.. وتتلألأ في قممه أقراط الكرز.. وتستنشق من مدرجاته روائح التفاح.. ومن سهوله نفح الليمون والبرتقال..
وأي بلد تجد فيه أيضاً حقول القمح المترامية الأطراف.. وحقول القطن.. ومزروعات كثيرة.. ونباتات برية وورود يطير إليها النحل أسراباً ليسرق منها الرحيق.. ,يجمع أفخر أنواع العسل..?..
أي بلد يحاكي حرارة الأرض.. ولهيب نواتها.. لترسل لنا مياهاً حارة كبريتية ومعدنية.. تتفور دواء وانتعاشاً...?..
أي بلد يزاوج بين هذا كله.. وبين البادية.. والصحارى القاحلة.. التي تعطي للسائح امتيازاً تجعله - عبر سورية - يختصر الدنيا..?..
وفوق هذا .. في أي بلد كانت أول حالة ظلم في الكون..?.. نعم.. ها هنا قُتل هابيل.. وها هو ضريحه المبارك في أحد تلال دمشق المنسية..!! بصعوبةٍ بالغة.. يمكنك الوصول إليه.. وقد لا يعرف المرء تفسيراً للمشاعر التي يمكن أن تنتابه وهو يقف أمام ذاك الضريح الوحيد في الكون كله.. مشاعر مختلطة بين الحزن على هابيل.. والغضب نحو قابيل.. وبين الرهبة من مشهد هذا الضريح الضخم المتطاول الى حدود ثمانية أمتار ليعطيك معلومة عن حجم الإنسان كيف كان وكيف صار.. وبين إحساسك أن هنا تعارك الغرابان وأنقذا قابيل من ورطته.. ومن هنا انطلقت بشرية هذه الأرض لتبنيها.. وتدمرها, وتشبعها خيراً وشراً..?!
وفي أي بلد ظهرت الأبجدية الأولى?.. وفي أي بلد تجد بقايا كهوف الإنسان الحجري..?.. وبقايا آثار الممالك والمدن الغارقة في التاريخ الغابر, الذي يمتد لعشرات آلاف السنين..?..
هذه الأشياء كلها... ها هي أمامنا ماثلةً في سورية.. حقائق أمام العيون.. فما الذي فعلناه حيالها..?.. ومَنْ من العالم يعرف بهذه الكنوز التي عندنا..?..
لا شك أننا فعلنا بعض الشيء.. وهناك القليل القليل جداً من الناس الذين يعرفون ما تمتلكه سورية سياحياً وأثرياً.. ولكن.. كان بإمكاننا أن ننسج حول هذه الأشياء كلها ترويجاً سياحياً يبهر العالم..
صحيح أن المسألة غير سهلة.. ولكنها ممكنة.. ونحن في غاية التقصير وكان علينا أن نبادر - ومنذ زمن طويل - الى اتباع سياسة ترويجية بالغة الفاعلية.. ولعل إحداث مؤسسة عامة متخصصة بهذه المسألة تدار بعقلية منفتحة, وتتمتع بمرونة وصلاحيات حقيقية, يشكل مخرجاً اسعافياً لما نحن عليه.. وعندها سوف نعلم أن أعداد السياح الذين نعلن عن قدومهم.. ما هي الا أعداد متواضعة جداً.. لا بل مضحكة, رغم أنها - ورغم ذلك - أعداد يشوبها الآن الكثير من التشكيك بمدى صحتها, وبمعيار قياسها.. أفلم يحن الوقت بعد.. لنقف أمام المرآة قليلاً ونرى الغبار والدمامل التي تكلل وجهنا الجميل..!!