فعلى الرغم من أن قادة الأطلسي وافقوا رسميا على توفير التدريب العسكري للقوات العراقية وعلى زيادة عدد قوات حفظ السلام في أفغانستان إلى عشرة آلاف جندي, إلا أن ذلك لم يخفف من الانقسام الحاد بين ضفتي الأطلسي حول الاحتلال الأميركي للعراق, وهو ما عبر عنه بشكل واضح وجلي الرئيس الفرنسي جاك شيراك حين قال: إن حلف الأطلسي ليس من شأنه التدخل في العراق وإن باريس ترفض تدخل الرئيس الأميركي في شؤون الاتحاد الأوروبي, لابل إنه كان أكثر وضوحا حين أشار إلى أن بوش لم يتماد فقط بل تدخل فيما لايعنيه.
هذا الخلاف الفرنسي- الأميركي (أو الأميركي- الأوروبي على اعتبار أن أكثر من دولة أوروبية تشاطر باريس موقفها وفي مقدمتها ألمانيا) لم تتجاوزه قمة اسطنبول, مثلما لم تتجاوز القمة أيضا الخلافات العميقة بين دول القارة والولايات المتحدة حول قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي وما يسمى الحرب على الإرهاب وكذلك المواقف المتناقضة حول مبادرة أميركا للشرق الأوسط الكبير.
ولعل المواقف حيال هذه المبادرة كمثال لتلك الخلافات العميقة خير مثال على عزلة أميركا في العالم, فالرؤية الأوروبية لمشاريع الإصلاح والديمقراطيات وحقوق الإنسان لاتتوافق مع الرؤية الأميركية, لابل إن الأوروبيين وحتى الأتراك الذين استضافوا القمة- قابلوا هذه المشاريع بالتحفظات, وأكد الجميع- باستثناء أميركا-أن الإصلاح في المنطقة العربية يتطلب أولا حل الصراع العربي- الإسرائيلي فضلا عن أن الإصلاح المطلوب يجب أن يكون نابعا من المنطقة وبإرادة شعوبها.
إن امتناع الأوروبيين عن الانجرار خلف السياسة الأميركية في العراق يعود إلى الاصرار الأميركي على تجاوز الشرعية الدولية, كما أن فشل واشنطن في توريط العواصم الأوروبية في مغامراتها العسكرية حتى الآن يرجع إلى تباعد المواقف بين ضفتي الأطلسي وتعمق القناعات لدى الشركاء الأوروبيين بأن إدارة بوش لم تعد قادرة على لعب دور قيادة حلف الأطلسي التقليدي لأنها لاتؤمن أساسا بمشاركة الآخر إلا إذا كانت المشاركة وفقا لشروطها كما قال مؤخرا السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك!