هذا الكلام قاله وزير الخارجية الأميركي كولن باول مؤخراً لصحيفة عكاظ السعودية, وهو كلام ينطوي على اعتراف صريح بالحسابات الخاطئة للحرب على العراق وتداعياتها غير المنظورة للقوات الاميركية وفي مقدمتها الضريبة الباهظة للاحتلال على المستويات المالية والسياسية والمعنوية.
فالقول بتوقع أيام صعبة في العراق بعد تسليم العراقيين السلطة أوائل تموز, إقرار بأن الحرب لم تأت كما تصورها صقور البنتاغون وكل من هلل لها في أميركا, بل جاءت على عكس الصورة التي توقع فيها مخططوها أن تكون مصدر ترحيب بالاحتلال, وتحولت الى حرب دائمة تنذر بأيام اكثر صعوبة لسخونتها المنتظرة من كل الأيام الصعبة السابقة.
والأيام الصعبة التي يتوقعها باول هي جزء لايتجزأ من ضريبة الحرب والاحتلال لأن حرباً تفتقر لأدنى المبررات المنطقية والأخلاقية كالحرب على العراق, وينتج عنها احتلال دولة ومصادرة حقها في الاستقلال والسيادة لايمكن أن تمر دون أن تتمخض عنها نتائج قاسية على الاحتلال تفرضها مقاومة الشعب الرافض له وتصميمه على انتزاع سيادته التامة والمطلقة التي يماطل الاحتلال في منحها كاملة حتى الآن, ما يجعل الحرب مفتوحة على عامل الاستمرارية وحبلى بالأيام الصعبة التي يصعب تحديد ماهيتها وطبيعتها على أي كان.
أما ماتبقى من ضريبة الحرب ,فيكمن في ذلك الجانب الذي ربطه باول بالتكاليف المالية الباهظة لها, وبحالة ارهاق القوات الاميركية الناشئة عن صراعها الدامي مع المقاومة العراقية كل يوم والذي يترتب عليه سقوط العديد من الجنود الاميركيين وتدمير الكثير من عتادهم, اضافة الى تآكل الروح المعنوية للقوات الاميركية مع استمرار وجودها في العراق.هذا على صعيد النتائج المباشرة للحرب,فماذا عن تداعياتها غير المباشرة..?
الوزير باول اعطى اجابة مقتضبة على هذا بإشارته الى وجود أصوات أميركية تعارض الحرب وترى انها تسببت بالكثير من المشكلات للولايات المتحدة . ويجب أن نلاحظ هنا بأن المشكلات تستطيل وتتشعب الى داخلية وخارجية.
أما الداخلية فهي المتصلة بتزايد نسبة معارضي الحرب والمطالبين بالخروج منها بأسرع وقت, و استدارة نتائجها المأساوية على الاحتلال الأميركي وحياة جنوده إلى ورقة ترخي بثقلها على سير الانتخابات الرئاسية الاميركية الى حد تهديد المستقبل السياسي لادارة بوش في ضوء تراجع شعبيته على خلفية فضائح الحرب وفشلها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية حسب آخر استطلاعات الرأي.
وأما الخارجية فهي المتعلقة بحالة التدهور الأخلاقي الكبير لسمعة أميركا ومصداقيتها, وبحالة تردي علاقاتها مع أغلب دول العالم ( في الوطن العربي كما في آسيا وافريقيا واوروبا وأميركا اللاتينية) وهما الحالتان اللتان زادتا من الكراهية الدولية للسياسة الاميركية بسبب اعتمادها على احادية الموقف والقرار, وتهميشها للشرعية الدولية , وانتهاجها ازدواجية المعايير, وانحيازها السافر لإسرائيل, وسعيها وراء غطرسة القوة واوهامها, وتدخلها الفاضح في الشؤون الداخلية للدول.
وإن كان ثمة دلالة أخرى لضريبة الحرب والاحتلال على الصورة التي توضحها هذه الحقائق مجتمعة, فهي أن إدارة بوش أدخلت أميركا بسبب جنون القوة والعظمة في مأزق سياسي وعسكري وأخلاقي كبير سيظل يفيض بالكثير من النتائج والتداعيات الصعبة للسياسة الاميركية, مالم يتم الخروج منه بانسحاب سريع من العراق يضمن عودة السيادة التامة إليه, وبتخلي السياسةالأميركية عما كان سبباً في انقيادها الى هذا المأزق وحصادها نتائجه الصعبة.