ولا يمكن أيضا فصل المظاهرات التي شهدتها وتشهدها شوارع الدولة المضيفة لأي لقاء يشارك فيه الرئيس بوش عن الاحتجاجات العالمية الأخرى المناهضة له, والتي تحولت الى ظاهرة جديرة بالاهتمام والدراسة لما تنطوي عليه من دلالات عميقة,ونظرا الى اختلاف جنسيات المتظاهرين والى تباين مشاربهم وتياراتهم السياسية والحضارية.
فالرئيس الاميركي في جميع لقاءاته ومساعي إدارته السياسية والدبلوماسية, يحاول اقناع القادة الاوروبيين بتأييد سياساته الخارجية,ولا سيما في العراق, بهدف رفع أعلام دولهم ولواء الأطلسي هناك بما يمثله ذلك من طوق نجاة حقيقي له ولمستقبل إدارته السياسي والانتخابي.
والمتظاهرون الذين يحتشدون في الساحات والشوارع في ايرلندا وأنقرة واسطنبول وفي أربع جنبات الأرض ويجمع فيما بينهم قاسم مشترك وحيد ينطوي على رفض واضح وبليغ للسياسة الاميركية,يحاولون باحتجاجاتهم جعل الإدارة الاميركية تدرك كارثية توجهاتها وخطأ استراتيجيات الاحتواء والهيمنة, إن من خلال أساليب الضغط والابتزاز أم من خلال التهديد والتلويح بالقوة.
إن الإدارة الاميركية التي وضعت نفسها زورا في موقع المدافع عن الحريات والديمقراطيات في العالم فيما تظهر ممارساتها استهتارا بالشعارات البراقة التي ترفعها وإقصاء للرأي الآخر الذي يمثل الأكثرية مدعوة الى قراءة رسائل الاحتجاج والرفض العالمي لها ولسياساتها وفهم مدلولاتها السياسية والحضارية.
وإن اعتراف وزير الخارجية الاميركي كولن باول بوجود أصوات معارضة للحرب داخل الولايات المتحدة,وتفهم مساعده وليام بيرنز حالة الاحباط والغضب تجاه سياسة واشنطن المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط,لا يقدمان جديدا ولا يمثلان تحولا من شأنه إخراج بلادهما من المأزق الذي تعانيه والحفرة التي تقبع فيها.
فالإدارة الاميركية مطالبة بإزالة الأسباب التي دفعت وتدفع بالآلاف الى الشوارع للتظاهر والتعبير عن مناهضتهم لها,ولعل ذلك يساعدها على فهم أسباب فشلها في كسب تأييد شركائها وحلفائها,وفي المقابل يجعلها تكتشف أسباب نجاحها في استعداء شعوب العالم لسياستها,فهل تحاول فعل ما يجب فعله,أم أن الرئيس بوش وأركان إدارته ما زالوا يؤمنون بمقولتهم الزائفة من أن تزايد الكراهية تجاههم يعود لأسباب تتعلق بمستوى الرفاهية والتقدم الصناعي والتقني والمعرفي الكبير الذي حققته الولايات المتحدة?!.