بعد هذه المظاهر لنقل السلطة في العراق,ماالذي تغير هناك..? وهل يمكن اعتبار ماحدث من نقل للسلطة نقلا » للسيادة الكاملة« على نحو مايصوره المسؤولون الأميركيون..? وإذا لم يكن الأمر كذلك فما الذي يراد من عملية تسريع نقل السلطة قبل موعده المحدد بيومين..?
استمرار الاحتلال الأنجلو-أميركي للعراق هو تعبير عن وجود أجنبي عسكري فيه كان نتيجة لاستخدام القوة في مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة, الذي يحظر في مبادئه اللجوء الى القوة أو التهديد باستخدامها لأن من شأن ذلك تهديد سيادة الدول واستقلالها ومصادرة سيادتها في حال جرى احتلالها بقوة على نحو ماحدث للعراق, وهذا بحد ذاته يؤكد حقيقة أن ماتم من نقل للسلطة لايتفق مع مفهوم استعادة السيادة, مما يعني أن التغيير الحاصل على صعيد الوضع العراقي من تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة إلى مرحلة نقل السلطة إليها, هو مجرد تغيير شكلي في الوضع السياسي يؤكده غياب السيادة الناجم عن وجود قوات أجنبية لم يتم استدعاؤها بقرار من حكومة دائمة ولا من الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن,ومما يؤكد ذلك أيضاً وضع هذه القوات بإمرة قيادة من دولتها المحتلة, وهو ما أوضحه ريتشارد أرميتاج معاون وزير الخارجية الأميركية مؤخرا بقول صريح:» إن قواتنا ستكون على الإطلاق تحت قيادة أميركية« وكدليل آخر على عدم تساوق مفهوم السلطة ونقلها مع مفهوم السيادة واستعادتها, نسوق هنا قولاً آخر لأرميتاج جاء فيه: »إن القوات العراقية بحسب مهماتها-ويقصد هنا المهمات الأمنية المضاعفة الآن -ستكون تحت قيادة متعددة الجنسيات أو خاصة بها« وهذا يعني أن على القوات العراقية العودة في كل قرار وتحرك وموقف تريد اتخاذه إلى سلطات الاحتلال او بديلها في حال استبدلت هذه السلطات بسلطة متعددة الجنسيات, لمجرد تغيير شكلي في السلطة لافي جوهرها,, مايؤكد أن نقل السلطة جاء مجزوءاً وتم حصره في المسائل والأمور التي لاتمس سلطة الاحتلال ووجوده.
وربما لهذا الهدف بالذات,هدف إبقاء الاحتلال, ظل الموقف الأمريكي من دور للأمم المتحدة في العراق,يقوم على تضييق مساحة هذا الدور وإبقائه دوراً مساعداً على الإعمار فقط في مجالات غير سياسية وغير عسكرية, لادوراً يعمل على إنهاء الاحتلال وجدولة انسحابه وعودة السيادة كاملة للعراق.
وهذا التباين بين نقل السلطة ونقل السيادة,هو ماجعل العديد من المراقبين ينظرون إلى عملية نقل السلطة بعين الشك والحذر, ويصفها البعض منهم بأنها خدعة أريد بها الإيحاء باعتزام أميركا مغادرة العراق من أجل استدراج قوى جديدة كحلف شمال الأطلسي إلى التواجد في العراق بغية تدويل الاحتلال, وكذلك من أجل تحسين الوضع الانتخابي للرئيس الأميركي جورج بوش بعد أن تحول الوضع العراقي إلى عامل مؤثر في مجرى الانتخابات الأميركية, تجلى تأثيره في تراجع شعبية بوش على خلفية تطوراته ذات الدلالة البالغة على فشل سياسة مابعد الحرب وفضائح التعذيب والخسائر البشرية والمادية والمعنوية والسياسية الكبيرة المترتبة على أخطاء الحرب وأكاذيبها.
واذا كان نقل السلطة , لايعني بالضرورة نقل السيادة, فالخطير في الأمر هو أن تكون هذه الخطوة محاولة من جانب سلطة الاحتلال لإيجاد شريك »عراقي« في تحمل أعباء مواجهة الوضع الأمني العصي على الضبط والتحكم,يأخذ على عاتقه مهمة قمع المقاومة بعد أن عجزت قوات الاحتلال عن تنفيذ هذه المهمة, الأمر الذي يهدد الوحدة الوطنية العراقية القائمة على هدفي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة, ويستهدف إثارة الخلافات ودفع العراقيين إلى الاقتتال فيما بينهم بدلاً من حشد جهودهم كلها في مواجهة الاحتلال وخططه الاستراتيجية الرامية إلى سلخ العراق عن محيطه العربي والإقليمي, ومصادرة حريته ونهب ثرواته وتحويله إلى بؤرة تهديد لدول المنطقة بغية إركاعها كخطوة على طريق إخضاع العالم للامبراطورية الأميركية,وتمكين اسرائيل من تجاوز مأزقها الاستراتيجي الصعب ومواصلة العمل بمشروعها التوسعي سياسياً وجغرافياً على مستوى المنطقة كلها.