كثيرون الذين تحدثوا عن تبدلات في الخطاب الأميركي تمليها متغيرات الوضع في المنطقة ابتداءً من العراق ووصولا الى فلسطين المحتلة,مع هوامشها الممتدة في اوروبا على خلفية حملة العلاقات العامة التي تقوم بها الإدارة الأميركية.
ولكن الواقع جاء معاكسا تماما,حتى أن بعض المحسوبين على الخطاب الأميركي لم يجدوا بدا من الاعتراف بذلك العجز المتتالي,فيما الحملة الأميركية تتدرج من السيىء الى الأسوأ.
محاولة ترميم العلاقات مع اوروبا,وتحسين صورة أميركا في المنطقة والعالم جاءت قاصرة,وأعطت الكثير من المغالطات التي عمقت الشرخ,وأساءت تلك الصورة بشكل أكبر,وأعطت تفاصيل لم يكن متاحا رؤيتها من قبل.
الملاحظات على خطاب بوش في الجامعة التركية كانت أكثر من أن تحصى,ولغة التعمية والشعارات في آن معا لم تجد,وكثيرون هم الذين دهشوا بذلك الإصرار على تبني نفس الخطاب المرفوض.
هناك من يتساءل عن مبررات ذلك الإصرار ودوافعه,هل هو العجز عن إيجاد بدائل?
الغالبية ترى فعلا أن البدائل محدودة في مناخ انتخابي ضاغط تسجل فيه استطلاعات الرأي استمرار تدني شعبيةالرئيس بوش الى مستويات جديدة,فيما الأقلية تضع كماً من البدائل,وفي مقدمتها إجراء تغييرات في منحى السياسة الأميركية,وتبدلات في لهجة الخطاب,لكن قبل فوات الأوان.
ويبدو أن فوات الأوان هو المعضلة الأكثر بروزا,فبعد الرهان الخاسر على جولة بوش الاوروبية ,ومن ثم القمة الاوروبية الأميركية,تأتي قمة اسطنبول الأطلسية,مدعاة فاضحة لواقع العجز الأميركي.
ومرة أخرى ينصب الرئيس بوش نفسه مبشرا للمنطقة والعالم,بلغة قابلها الحاضرون ببرودة شديدة,وامتعاض أشد لدرجة أن الكياسة التي افترضت التصفيق البارد مرة واحدة في نهاية الخطاب,أعطت الانطباع الكافي عن درجة الاستياء وحتى الرفض.
في اللوحة الخلفية التي ارتسمت خلف الرئيس بوش وهو يلقي خطابه,ثمة دلالات عميقة لذلك الجسر الممتد الذي لم يأبه بالخطاب,ولم تتوقف حركته,وحيادية الحاضرين أو عدم اكتراثهم بكلماته,كلها كانت توحي بمؤشرات لا يمكن تجاهلها.
بمعنى آخر يرتسم الإخفاق الأميركي سياسيا ودبلوماسيا,ناهيك عن صرخة الرئيس شيراك المعبرة,وموقف المستشار شرويدر الواضح وهو إخفاق تتوالى تداعياته وانعكاساته تباعا.
ربما يبقى البعض ممن يبرر ذلك التبشير ولكنه سيظل بعضا قليلا ومحدودا بل وخجولا,المثال الذي استحضره الرئيس بوش في تبشيره,لم يكن موفقا لأن المعاناة كانت أكبر مما بشر به والثمن الذي دفع من أجله كان أكبر من قدرة العراقيين على تحمله.
إن تعدد جبهات الإخفاق الأميركي,لم يمنع مرارة التساؤلات,ولم يحجب سوداوية المشهد,قبلوا بذلك أم رفضوه,والواقع الصعب القائم يلح في طرحه للتحديات,فيما الإجابات مرهونة بتجاذبات الأيام القادمة.