يرتكز إلى مرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية لم تكن في يوم من الأيام موضع شك, حتى لدى الطرف الإسرائيلي نفسه الذي يناور ويدير الرأس ويمارس التضليل والنفاق, ويحاول عبثاً تحت غطاء مظلة الدعم للدولة المؤتمنة والراعية للعملية السياسية الولايات المتحدة الأميركية, وبدفع وتحريض وتشجيع منها الإساءة والتشويه واستغباء الرأي العام العالمي وتأليبه, والتهرب والهروب من تبعات التسوية واستحقاقاتها, تلك التي لا يمكن لها أن تتوافق أو تلتقي مع الاحتلال تحت أي سقف.
وتصريحات السفير الأميركي السابق في تل أبيب مارتن أنديك مؤخراً لوسائل الإعلام الإسرائيلية خلال زيارته إلى جمهورية كازاخستان, وتأكيده أن الجولان أرض سورية ولا يمكن أن تبقى محتلة, على أهميتها وتوقيتها وأخذ صاحبها بمبدأ إسداء النصح المكرر للإسرائيليين بوجوب إعادتها والانسحاب منها إذا كانوا يريدون السلام, مع المجاهرة الصريحة بواقعة أن الإسرائيليين والحكومات المتعاقبة من إسحاق رابين وشمعون بيريز وبنيامين نتنياهو إلى إيهود باراك وصولاً لأرييل شارون, لم يكونوا مستعدين للسلام مع سورية والتي تعد مفتاحاً له في هذه المنطقة, هذه التصريحات تبقى شهادة حق وكلمة عدل في زمن يراد فيه للباطل أن يطغى وللظلم أن يسود.
وهي إن أتت منسجمة وكلام المنسق الأميركي لعملية السلام دينس روس, وتلك التصريحات المواكبة التي أدلى بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن لوكالة رويترز, والداعية لأن تقابل المصداقية السورية تجاه عملية السلام بالمثل لإحياء العملية السياسية, ووثقت الحقيقة ووضعتها مرة أخرى برسم المجتمع الدولي والعالم, فإنها قد عرت كلية مواقف تل أبيب وسياساتها وقدمت الأدلة والبراهين القاطعة على التنكر الصهيوني للسلام, محملة الإسرائيليين وليس غيرهم مسؤولية العرقلة والتعثر والانتكاس الحاصل, والتردي الخطير للأوضاع في المنطقة..
وبالطبع فإن هذا لا يبرىء ساحة الإدارات الأميركية المتعاقبة وخاصة الحالية منها, التي قطعت على ما يبدو كل صلة أو التزام لها حيال العملية السلمية وقلبت ظهر المجن لها, ولم تكتف بإطلاق يد حكومة الإرهابي أرييل شارون في التعاطي مع هذه العملية بالأسلوب الذي ترتئيه وينسجم مع أطماعها ومشروعها التوراتي, ويكرس احتلالها للأرض العربية ويسمح لها بتصفية القضية الفلسطينية وذبح وتشريد الملايين الباقية من أبنائها ومحوهم من خارطة المنطقة السياسية, بل زجت نفسها طرفاً مباشراً في الصراع, وراحت تخوض معارك إسرائيل وحروبها شراكة وبالوكالة بما لا يشرف التاريخ الأميركي ويلطخ صفحاته بالعار والدم..
في جميع الأحوال ينبغي ألا يعتقد أحد أو يتوهم ولو للحظة: أن المنطقة يمكن لها أن تشهد الهدوء والأمن والاستقرار, ما بقي السلام بمنأى عنها ومحظراً عليها, ورهناً بالعقلية الصهيونية المحكومة بالجنون والعسكرة وعقد التفوق وإملاء الشروط والتطاول على القانون الدولي, وما بقي شبر واحد من الأرض العربية محتلاً..
فللسلام متطلباته ومقوماته وشروطه التي لا تقبل الجدل أو الانتقاص, وعقيدة العدوان والقهر والاستلاب والتهويد وحروب الإبادة والقتل والتدمير والاحتواء والتذويب, أياً هي القوة التي تدير آلتها وتوفر الغطاء والحماية لأصحابها, لن تستطيع مهما طال الزمن أن تؤتي أكلها, وتستجر للمعتدي فوائد وعوائد يمكن له البناء والتأسيس عليها, وجعل الساحة مباحة له ولقوانين وشرائع الغاب..