تناول الكاتب فيه مظاهر الفساد والتخريب وسوء الإدارة في عدد من شركاتنا الإنشائية, مدعماً بالوثائق والبيانات والأرقام, وتوقع محدثي أن تقوم قيامة التفتيش والتحقيق في اليوم التالي على الأكثر, وأضاف: لكن شيئاً من هذا لم يحدث, إذ ورغم مضي بضعة أشهر على نشر التحقيق إياه, لم يزل كلّ شيء في مكانه, ودون أدنى اهتمام, ثم أردف المهندس متسائلاً... ماذا تكتبون ولماذا تكتبون??
للحق, فقد كان السؤال محقاً بالفعل, فإذا كان الإعلام, وهو أهم مصادر الكشف عن الفساد والمفسدين, ليس ذا مصداقية أمام جهات الرقابة والمساءلة والمحاسبة, فكيف يكتسب ثقة الناس ومصداقيته أمامهم??
واقع الأمر, إن ما يتناوله الإعلام من قضايا, ينتهي برد رسمي يرد من الجهة موضع النقد, ينشر في المكان الذي نشرت فيه المادة الناقدة, عملاً بقانون النشر, ثم ينسى الأمر وكأن شيئاً لم يكن!
نتحدث هنا عن دور للإعلام في عملية الرقابة والمحاسبة, دور لا يكتمل ولا يتم أصلاً, إلا عندما تلتزم الجهات صاحبة القرار في البحث والمساءلة, وأولها الحكومة وثانيها أجهزة الرقابة المركزية والمالية, بتفعيل دور الإعلام عبر الاستجابة لما يشير إليه من مواقع الفساد والتخريب, لابالتنظير اللغوي والنحوي وممارسة الأستذة في فلسفة الإعلام, وفيما ينبغي أن يكون عليه ذلك دوره في عملية التحديث والتطوير!
لانتحدث عن (سلطة رابعة) نتنازل عنها بتواضع, وقد بات اللغو بها ممجوجاً ومستهلكاً, بل عن وظيفة معطلة هي صلب الرسالة الإعلامية ودورها التنموي إلى جانب وظائف التوعية والتثقيف والنقل والتفسير, وظيفة تعطلها الاستجابات المفقودة أو المبسترة ب¯ (الرد الرسمي) دون أية محاكمة عقلية منطقية تكشف لأبي العلاء المعري, إن واقع الحال في قطاعاتنا الإنتاجية والخدمية, لا تعكسه الوثائق أو الردود الرسمية ولو كانت صحيحة في الظاهر ومحكمة الإعداد أو التزوير أو التعمية!!
ليس الإعلام طرفاً في هذه المعادلة بين الرقابة والمساءلة من جهة, وبين الفساد وسوء الإدارة من الجهة الثانية, لكنه الضوء أو البصر الذي يقود طرف المعادلة الأول إلى طرفها الثاني, ودون أن يفقد أبو العلاء المعري الحكمة من أشعاره والزهد من فلسفته?.