تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الاحد 19/9/2004
رئيس التحرير د. فائز الصايغ
أكثر التصريحات والبيانات دقة في وصف ما يجري في العراق, كان تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك, الذي أدلى به إثر انتهاء قمة جمعته بالرئيسين غيرهارد شرودر مستشار ألمانيا وخوسيه ثاباتيرو رئيس الحكومة الإسبانية عندما قال: (لقد فتحنا أبواب جهنم في العراق وإننا عاجزون عن إغلاقها)!!

ويبدو أن التصريح لا يمثل وجهة نظر الرئيس الفرنسي فحسب, وإنما يمثل وجهة نظر رؤساء ثلاث دول أوروبية مهمة وفاعلة على الساحة الدولية, يضاف إليها آراء ومواقف دول العالم التي سبق ونبهت.. وعارضت.. وحاولت - ومن بينها سورية - الحؤول دون إشعال فتيل الحرب على العراق , التي قادت إلى الجحيم.. أو جهنم كما في التصريح..‏

ولا ندري إذا كان هذا الاعتراف الواضح بالعجز عن وقف مسلسل الدمار الشامل الذي يشهده العراق اليوم سيتواصل بهذه المأساوية على خلفية عجز الدول الفاعلة, الذي يؤدي بالنتيجة إلى عجز المجتمع الدولي ممثلاً بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يقف متفرجاً على سعير جهنم, فيما ينشط ويتحمس أعضاؤه للتدخل السافر في شؤون الدول الداخلية وبالأكثرية لا بالأغلبية, في الوقت الذي يستطيع فيه وقف الحروب بالإجماع وتاريخ المنظمة يشهد..!!‏

ولا نأتي بجديد إذا ما أكدنا - شأننا شأن دول العالم - بأن المخرج المعقّد أو المستحيل لإغلاق أبواب جهنم, هو غاية في البساطة والسهولة واليسر والسرعة معاً, فبمقدار ما يضيق دور قوات الاحتلال العسكرية ويتسع دور قوات الأمم المتحدة المدنية, تنحسر الحرب ويخف وهج جهنم, وتتم محاصرة النيران وإطفاؤها.‏

وقد أثبتت تجارب عديدة.. في مواقع عدة من دول العالم أن عامل الثقة الذي تستحوذه الأمم المتحدة, ودورها السلمي يتغلّب على عامل العداء الذي يلازم قوات الاحتلال, لأنها قوات احتلال بما يعنيه من معنى, وبما يولّد بشكل تلقائي قوة للمقاومة مهما كانت نوعية المقاومة.. نظيفة في مكان وأسلوب.. وقذرة في مكان وأسلوب..‏

فلو أتيح للأمم المتحدة أن تمسك زمام الأمور منذ ما قبل الحرب والاحتلال, أو ما بعده - وهذا ما اعترف به الأمين العام, وما استنكره المتورطون في الحرب - لكان العراق اليوم أقرب إلى الجنة منه إلى الجحيم, بغض النظر عن أية جنة يبحث العراقيون.. وأية جهنم يعني الرئيس الفرنسي الذي نحترم ونقدر.‏

وبدلاً من أن يتفرغ مجلس الأمن وأعضاؤه - وهم الدول المعنية بوصف الجحيم - لمعالجة الأزمة وإيجاد الحلول لها سعت بعض دوله القفز فوق جراح العراقيين ومأزق الأميركيين معاً.. وتحويل انتباه العالم عبر مجلس الأمن إلى إجراء دستوري محلي وداخلي ينشغل به.. وينصرف عن إيجاد الحلول الناجعة لمشكلة شغلت وتشغل العالم كله, حتى بات عاجزاً عن حلها.. ومستسلماً أمام تداعيات وأوار جحيمها..‏

أليست مفارقة عجيبة تسجل في ديوان الدول المؤثرة.. والفاعلة والمعنية مباشرة لا مداورة باستقرار واستتباب الأمن في العراق وفي المنطقة كلها..?‏

بؤرتان ساخنتان في عالم اليوم هما فلسطين والعراق.. وإيجاد الحلول لتداعيات ما يجري فيهما, - وكلتاهما جهنم - هي غاية في السهولة والبساطة; تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بأدوات ووسائل الدول التي تعلن عجزها وهي دول مؤثرة وفاعلة وقادرة على الضغط لتنفيذ القرارات المتصلة بالشأن الفلسطيني, وإيجاد قرارات جدية وجديدة أممية صادرة عن مجلس الأمن لإعادة الحياة والأمن والاستقرار إلى العراق والسعي لتنفيذها فوراً.‏

عند ذلك سيجد مجلس الأمن نفسه وقد تفرغ أعضاؤه لاستصدار قرارات دولية تتعلق بالتنمية.. والاقتصاد.. ومحاربة الجوع والفقر ,وإرساء قواعد للعدالة الاجتماعية والديمقراطية الصحيحة, بعد أن أرسى قواعد للعدالة السياسية.‏

عندها ستنحني شعوب العالم كله للقرارات, وستتسابق إلى تطبيقها, وتسحب من يد قوى الضغط والهيمنة المبررات والأسباب معاً..‏

أما أن يكون الصيف والشتاء على سقف واحد وفي زمن واحد, مع ازدواجية في المعايير والمفاهيم.. فهذا يفقد مجلس الأمن - الذي نحترم قراراته - مصداقيته وفاعليته وتأثيره المادي.. والمعنوي معاً.‏

فلتجدول الأمم المتحدة قراراتها.. وتبرمج تنفيذها حسب الأولويات, أو حسب الأهميات, أو حسب الأخطار.. فبذلك تسود العدالة, وتغلق أبواب الجحيم الراهن, وتحول دون تشكيل عوامل جهنم أخرى لا ندري مكانها ولا الزمان..! فمن كان يدري أن مطالع القرن الحادي والعشرين ستتوّج باحتلال العراق..? ومن كان يدري أن جهنم الآخرة هي في الدنيا..? لكن العجز المعترف به لا يخفف وطأة الجحيم بمقدار ما يضيف إليه الحطب والنفط, وهو بيت القصيد.‏

 

 د. فائز الصايغ
د. فائز الصايغ

القراءات: 30394
القراءات: 30395
القراءات: 30397
القراءات: 30387
القراءات: 30392
القراءات: 30392
القراءات: 30397
القراءات: 30397
القراءات: 30390
القراءات: 30395
القراءات: 30405
القراءات: 30392
القراءات: 30399
القراءات: 30389
القراءات: 30397
القراءات: 30389
القراءات: 30390
القراءات: 30391
القراءات: 30393
القراءات: 30395
القراءات: 30390
القراءات: 30390
القراءات: 30391
القراءات: 30389
القراءات: 30390
القراءات: 30385
القراءات: 30393
القراءات: 30394
القراءات: 30392
القراءات: 30391
القراءات: 30399
القراءات: 30392
القراءات: 30392
القراءات: 30400
القراءات: 30393

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية