ويعلن موتها وشطبها من القاموس السياسي الإسرائيلي, وهي التي تولد في الأساس وبقيت مجرد خطة وطرح التفافي وحبر على ورق أثقلتها الحكومة الإسرائيلية ساعة الإعلان بتحفظات تجاوزت الأربعة عشر, تفرغها من أية مضامين يمكن أن تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني, لقبت في حينه ولا تزال التفهم الكامل من الجانب الأميركي, الذي ركز الضغط في الاتجاه الآخر بأمل فرضها وتمريرها, وفي أسوأ الأحوال تحميل العرب والفلسطينيين مسؤولية تعثرها وفشلها.
ورجل السلام الأميركي الذي أخذ على عاتقه طيلة السنوات الماضية, إثبات عدم الأهلية لهذا التوصيف ولأن يكون موضع صدقية الرئيس جورج بوش, وتعمد التكذيب والتصعيد لغة وخياراً للتفاوض من جانب واحد, والإجهاز على كل ما تحقق في ظل العملية السياسية من اتفاقات وتفاهمات وفي المقدمة منها اتفاقات أوسلو, أملاً في فرض سياسة الأمر الواقع والسلام على الطريقة الإسرائيلية, انتقل بواقع ودفع الدعم المستمر من قبل واشنطن بالسياسة الصهيونية, من طور المناورة والتحايل وتضييع الوقت والالتفاف على العملية السياسية والتهرب من استحقاقاتها, إلى المجاهرة العلنية الوقحة والسافرة برفض التسوية العادلة والشاملة جملة وتفصيلاً, والعودة إلى طاولة التفاوض وأي التزام يترتب عليه الانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران العام ,1967 تنفيذاً لمرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
وأطلقت هذه السياسة المواكبة والمعززة بإجراءات عملية وإرهاب وحشي واستخدام مفرط للقوة, وتهويد لم يوفر شبراً من الأرض المحتلة والمقدسات ما انفك يستنزف ويدمي ويحرق ويلتهم بعنصرية ومنهجية كل شيء, ويحيل حياة الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني المتبقين والرازحين تحت الاحتلال إلى جحيم لا يطاق, أطلقت رصاصات الرحمة على كل ما يمت للسلام بصلة, وأضفت على الوضع العام والمتفجر أبعاداً خطيرة وكارثية, لم يعد معها الكلام عن التسوية والسلام والاستقرار, سوى مجرد لغط ونوع من الدجل والضحك على الذقون والاستغباء, والتشريع لدموية إسرائيل وعربدتها المفتوحة, وحمل العرب على قبول هذه السياسة وابتلاعها وصولاً لحالة التيئيس ورفع راية الاستسلام..
في ضوء ما تقدم لا يجد المرء حرجاً في القول: إن لا معطيات يمكن التأسيس والبناء عليها للوصول إلى أي نوع من التسوية, وإن شارون رجل حرب وإرهابي يخاف السلام, وهو على استعداد لأن يذهب إلى أبعد مدى في توكيد العداء الصهيوني المستحكم والعقائدي له, لتناقضه الصارخ مع وجود إسرائيل, ومسوغات زرعها خنجراً مسموماً في هذا الجزء من العالم, حتى لو كان الثمن إحراق المنطقة وإغراقها بالفوضى والدم والحروب, وهو أمر كسب قصب السبق في توثيقه وجعله خبزاً يومياً للاحتلال وجنوده وقطعان مستوطنيه, وذلك من خلال الاجتياحات المتكررة وعمليات الاستباحة الهمجية المتصلة للمدن والقرى والمخيمات, والإمعان في تدميرها وذبح أبنائها في أضخم حرب إبادة وإلغاء عرقية في العصر الحديث, هي مثار فخر ومباهاة لدى حكام تل أبيب, وموضع تقدير وتأييد ومساندة الدولة العظمى وللأسف, المتشدقة بشعارات الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان..
ولقناعتنا بأن حال الولايات المتحدة والغرب الدائر في فلكها, ما كان ليبقى على ما هو عليه اليوم من لا مبالاة وعدم اكتراث وصمت يصل حد التواطؤ, يزكي الوضع المتفجر ويلهب رؤوس حكام تل أبيب وإرهابهم الدموي وتطاولهم على القانون الدولي, لو تجرأ أحد من العرب على مجرد الرفض والكفر بالسلام, فكيف لو سولت له نفسه ومن موقع الدفاع المشروع عن النفس, التعامل بالمثل وبالأساليب التي اعتادت إسرائيل التعاطي بها مع المنطقة ومع عملية السلام, فإن ما يجب ألا يقع الآخرون في وهمه: إن سياسة منفلتة ومجرمة كهذه لا يمكن أن تبقى بلا رد أو عقاب..