واستناداً إلى هذه الحقيقة الموثقة لا تشكل موافقة إدارة بوش على تزويد دولة العدوان والإرهاب بكمية كبيرة من القنابل الذكية التي توجه بالأقمار الصناعية موقفاً غير مألوفٍ من حيث نوعية وخطورة هذا السلاح على أمن المنطقة والعالم, وإنما اللافت فيها توقيتها مع التهديدات الإسرائيلية المستمرة لدول عربية وإقليمية.
المشكلة في الموقف الأميركي من موضوع التسلح ليس الازدواجية التي تحكمه فحسب بل في طبيعة خطابه للعالم المستند إلى تبريرات تستخف بالقدرات العقلية للآخرين, ذلك إن التبرير الذي أورده البنتاغون بخصوص هذه الصفقة لإسرائيل والذي تمحور كالعادة حول تفهم المسؤولين الأميركيين لحاجات إسرائيل الأمنية يستفز الأطراف الموجه إليهم أكثر من الحرص الأميركي على تفوق إسرائيل العسكري على دول المنطقة كافة ومحيطها الإقليمي.
طبعاً من الخطأ النظر إلى هذه الصفقة من منطلق تسليح إسرائيل فحسب ولاسيما أن عدد القنابل التي أعلن عنها تجاوز الثلاث آلاف قنبلة ذكية.
فالمشروع الأميركي في المنطقة لا يزال قيد الإنجاز, وإسرائيل هي بمثابة مستودع متقدم للقوات الأميركية في المنطقة, والإدارة الأميركية لا تخفي نواياها إزاء الدول التي تعارض سياستها أو ترفض الالتزام بمشروعها والانصياع لإملاءاته الأمنية والاقتصادية.
ولكن على ما يبدو لا حياة لمن تنادي فالخبر مر على المسؤولين العرب كما مر على المسؤولين الأوروبيين الذين يتبنون الأجندة الأميركية بشأن أسلحة الدمار الشامل وكأن إسرائيل دولة مسالمة ولا تملك هذه الأسلحة الفتاكة..!
قد يكون لا فائدة من إثارة الموضوع على الصعيد الدولي من حيث الضغط على الولايات المتحدة لإلغاء هذه الصفقة, ولكن مجرد طرحه من قبل العديد من الدول العربية والأجنبية ينبغي أن يشكل إحراجاً للسياسة الأميركية التي تعتمد ازدواجية معايير صارخة في معالجتها لموضوع التسلح وفي جميع المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن.
فمن وجهة النظر الأميركية فإن إسرائيل فقط لها الحق بامتلاك جميع صنوف الأسلحة التدميرية, فيما باقي الدول في المنطقة تمنع عنها الأسلحة المسموح بها وفق الأنظمة الدولية, مما ساهم بتصاعد عدوانية إسرائيل وتمردها على الشرعية الدولية وفتح الباب أمام تزايد الكراهية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
هذا الواقع المؤسف لم يكن من الممكن تبلوره على هذا النحو لولا تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته لناحية تحقيق التوازن فيما بين الدول وفق القانون الدولي, وذلك مدعاة للسؤال عن جدوى الحديث عن الشرعية الدولية في ضوء بقائها رهن بالسياسة الأميركية العرجاء على كافة المستويات.