بفعل الظروف الدولية السائدة والعدوان الصهيوني المستمر المغطى أميركياً, وحالة الفوضى الناجمة عن طغيان المفاهيم الخاطئة والمصطلحات الكاذبة, التي تزيد الانقسامات بين الثقافات وتهيء للمزيد من الحروب وسفك الدماء, وعجز المؤسسات الدولية الجاري تحويلها إلى أذرع لقوى كبرى على حساب مصالح الدول الأصغر, ولتكون أدوات للتدخل في الشؤون الداخلية أو الثنائية لتلك الدول, تقرع سورية ناقوس الخطر وتضع العرب والمجتمع الدولي قاطبة أمام المسؤولية التاريخية الملحة,بوجوب تصحيح هذا الوضع والانتصار لقيم ومبادىء الحق والعدل والسلام.
والرئيس الأسد في كلمته الشاملة بافتتاح مؤتمر المغتربين السوريين, بقدر ما كان واضحاً وجريئاً في تناوله وعرضه لهذه المشكلات والقضايا الخطيرة وتسميته للأشياء بمسمياتها, بقدر ما قدم في المقابل إضاءات تجلو حقيقة الموقف السوري المعلن والمعروف حيال هذه المسائل وقضية السلام, وتؤكد بالوقائع التاريخية الملموسة صوابية وصحة وصدقية النهج والرؤية, وتسقط ترهات وأضاليل أولئك الذين يحاولون عبثاً التصيد والتشويش والإساءة, والنيل من صلابة ومبدئية هذه المواقف وتمسكها بالثوابت الوطنية والقومية, تلك التي لا تقبل المساومة والمهادنة والتفريط ولو بذرة واحدة منها.
فالسلام المتوقفة عمليته منذ سنوات عديدة كما أشار الرئيس الأسد, نتيجة لرفض إسرائيل استئناف المفاوضات واستمرار احتلالها للأراضي العربية وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني, ونتيجة لعدم وفاء القوى الدولية بالتزاماتها حيال عملية السلام وعدم جديتها في تطبيق قرارات الشرعية الدولية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل, التي تمارس إرهاب الدولة الذي يحرق الأرض ويقتلع الإنسان ويقاتل شعباً أعزل بكامله, هذا السلام الذي تتمسك به سورية وتجد من أجل تحقيقه عادلاً وشاملاً, لا يمكن لعمليته أن تكون إلا معلنة كما كانت في الماضي وضمن الأسس المعروفة والمحددة بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومبدأ الأرض مقابل السلام.. إذ ليس هناك ما تفاوض عليه سورية في الخفاء ومن تحت الطاولة.
لقد ظل موضوع السلام وإيجاد حل للصراع في هذه المنطقة المضطربة والمتفجرة والقابعة وسط البركان, تحدياً لإسرائيل وللراعي الأميركي وللمجتمع الدولي, وما يجري على الأرض اليوم مناورة والتفاف وهروب وتطرف دموي وقتل, يرسخ حقيقة يلم بها الجميع وإن حاول البعض القفز فوقها والتنكر لها مؤداها أن الشارع العنصري الإسرائيلي ليس مستعداً بعد للقبول بالسلام والالتزام باستحقاقاته, وإن الدعم والفيتو المسلط على رؤوس العرب وسياسة المعايير المزدوجة, وغرور وصلف القوة وامتلاك وسائلها يغلب نزعة العدوان ومنطق القرصنة وشريعة الغاب على لغة السلام والقانون الدولي.
ما ساقه الرئيس الأسد وعبر عنه بقوة كلمة حق وموقف حازم ومسؤول في زمن يؤثر فيه البعض الانحناء أمام العواصف والصمت ودفن الرؤوس في الرمال, شكل إحراجاً لأولئك الذين يتلطون خلف شعارات مخادعة تضج بنوايا استعدائية ومخططات مبيتة تخدم التوجه الصهيوني- الأميركي ومشروعيهما للهيمنة ,والاختراق وكسر دائرة الصمود والممانعة التي تقودها سورية, والتي تجسد عنفوان وكرامة هذه الأمة وخندقها, ومعقد أملها في تحرير الأرض واستعادة الحقوق, يستوجب من الجماهير العربية وقواها الحية على امتداد الوطن الارتقاء وبروح الفريق الواحد والعمل الجماعي إلى مستوى التحدي المصيري والخطر المحدق والمهدد للجميع, وعدم ترك الساحة القومية عرضة للاستفراد والاستباحة.