في تشخيص سيادته لهذه الحالة دقيقاً وبنفس الوقت دعوة إلى الأطراف التي تنتهج هذا الأسلوب لإعادة النظر فيه, ولا سيما في ظل تعاظم الآثار السلبية لاستمراره على علاقات وقيم الشعوب وثقافاتها, وأيضاً على القانون الدولي وتراث البشرية في هذا المجال.
لكن ومع الأسف لا يزال الحاملون لراية هذا الاتجاه وأهدافه ماضين بضخ المزيد من المصطلحات والمفاهيم الخاطئة لخدمة مستهوي الحروب والقتل,وبث الفرقة بين شعوب العالم بهدف خدمة مصالحهم على حساب الأمن والسلم الدوليين, وبدواعي تفتقد إلى أبسط مقومات المصداقية والإنسانية.
من أبرز المصطلحات المضللة ما قرأته قبل يومين للكاتب الأميركي اليهودي توماس فريدمان, الذي سبق وأخذ على عاتقه قبل الحرب على العراق الدفاع عن المزاعم بحيازة هذا البلد على أسلحة, وكتب العديد من المقالات في هذا الشأن, ومع تكشف حقائق كذب هذه المزاعم, وتالياً حججه السابقة لإثبات صحتها, خرج علينا فريدمان بمصطلح ( أشخاص الدمار الشامل) ليشن تحت هذا العنوان هجوماً عنيفاً على المقاومة هادفاً من وراء ذلك الخلط بين المقاومة المشروعة دولياً وقانونياً للاحتلال, وما بين التفجيرات المدانة التي تستهدف المدنيين في العراق, في الوقت الذي فشلت فيه المساعي الإسرائيلية والأميركية لإدراج فصائل المقاومة الفلسطينية في سجلات المنظمات الإرهابية خلال مناقشة مجلس الأمن لقرار روسي حول مكافحة الإرهاب.
وبغض النظر عن التجاهل المتعمق للحقائق من جانب فريدمان, وخاصة فيما يتعلق بتغاضيه الفاضح لتداخل الأعمال المناوئة للاحتلال في العراق, وكذلك اتساع أعداء الولايات المتحدة في العالم بسبب سياستها الخارجية, فإن المقارنة بين تفجيرات العراق والمقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال الإسرائيلي التي تندرج في إطار الدفاع عن النفس بوجه العدوان والإرهاب الإسرائيلي كشفت مسعى فريدمان من إطلاق هذا المصطلح (أشخاص الدمار الشامل), والذي لا ينطبق إلا على أولئك الذين يشعلون الحرب تلو الأخرى وعلى رأسهم الصقور والمحافظين في إدارة بوش ونظرائهم في إسرائيل.
فالمقارنة يجب أن تتم بين من يقوم بهذه التفجيرات المدانة والدول التي تفتعل الحروب والأزمات, وتمارس إرهاب الدولة المنظم وترفض الانصياع للشرعية الدولية ولسلطة القانون الدولي, فليس هناك من فرق بين التفجيرات التي تستهدف المدنيين في العراق وبين الغارات التي تشنها الطائرات الأميركية والإسرائيلية على المناطق السكنية, فكلاهما ضحاياهم من الأبرياء المدنيين, وكان على فريدمان أن يرفق مصطلحه الجديد(أشخاص الدمار الشامل) بمصطلح آخر ( دول الدمار الشامل), فذلك يشكل التعبير الحقيقي للواقع وليس كما نحى فريدمان في مقالته.
إن الحرب المستمرة على المصطلحات والقيم الإنسانية والقانونية المتفق عليها دولياً لا تقل ضراوة عن الحروب العسكرية التي أشعلتها الولايات المتحدة في العالم, والفوضى المتزايدة على صعيد المصطلحات والمفاهيم الكاذبة والخاطئة هي جزء من هذه الحرب, كما لا تنفصل المحاولات الرامية والمتواصلة لتهميش الأمم المتحدة وإضعاف دورها عن ذلك, ومن هنا تنبع أهمية التحرك الدولي لوقف هذه الحرب تفادياً للمخاطر المترتبة عن غياب الأسس والقوانين الضابطة للعلاقات بين الدول والشعوب.
ويشكل رفض غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي مؤخراً للمحاولات الإسرائيلية والأميركية بإدراج المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي تحت لافتة الإرهاب, خطوة في الاتجاه الصحيح والضروري, ولكنها غير كافية لتحقيق الهدف المطلوب.