طبعاً نستطيع تصنيف هذه الإدارات بأنها تسيطر عليها (حالة) مرضية تستوجب العلاج, لأنها غارقة في الفساد وانعدام روح المسؤولية, تسيطر (الأنا) عليها, والعلاج هنا يقتضي إعادة النظر في مثل هكذا إدارات, كونها لا تعرف من الإدارة ونظمها سوى (نفذ ما أقول) تنفيذاً لتحقيق رغباتها ومصالحها الشخصية النفعية, وهي بالنتيجة إدارات لا تتمتع بأية مسؤولية وطنية وأخلاقية, ونعتقد جازمين أن الإدارة الناجحة هي التي تمارس العمل بكل شفافية بعيداً عن الأهواء الشخصية, بغية تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة, مع ضرورة امتلاكها لديناميكية وحيوية بغية تحقيق التفاعل النشط بينها وبين العاملين, وهي فوق كل ذلك تكتسب مشروعية سلطتها من رضا وتفاعل الأشخاص الذين يعملون في المؤسسة بعيداً عن استيراد عاملين من خارجها, وتسلطهم على من امضوا سني عمرهم في خدمتها, وهذا يفرض بالضرورة أن تمتلك تلك الإدارات كفاءات شخصية وإدارية قادرة على التفاعل مع الجميع وفي كل الظروف, وألا تمارس سلطتها لفرض قراراتها وصلاحياتها التي لا تخدم المصلحة العامة للمؤسسة وبشكل قسري.
طبعاً ما أشرنا إليه ينطبق على بعض الإدارات الاقتصادية وهي إدارات نستطيع تسمية مديريها ب¯(سوبر مديرين) لأنهم يتمتعون بكفاءات وامتيازات وشروط لا تتوفر لغيرهم من المديرين, وليس بينها الكفاءة الإدارية المهنية التي تعمل بروح عالية من المسؤولية, لأنها - أي تلك الإدارات - لا تؤمن بروح التطوير, تتاجر بأخلاق العمل وممارساته, وتسوق لنفسها أمام الآخرين بأنها تمتلك من الخبرات والمهارات التي تستوجب أن تكون في مواقع أعلى مما هي فيه, وهي فوق كل ذلك غارقة بالفساد حتى أذنيها.
وعندما نقول (سوبر مديرين) فإنه لقناعتنا بأنه لابد من وجود معايير يفترض توفرها في اختيار مثل هكذا مديرين, شريطة ألا تكون هذه المعايير على طريقة (سوبر ستار) معايير تنهي الكثير من هؤلاء المديرين الذين يعتبرون المؤسسات التي يديرونها ملكاً شخصياً لهم, دون النظر إلى ملكية الدولة لها.
معايير تنهي (حالة) الفساد القائمة في الكثير من مؤسساتنا العامة وبشكل خاص الاقتصادية, كون غالبية تلك الإدارات قد هبطت عليها بواسطة مظلات انتهى مفعولها منذ فترة, ولا يعقل أن تظل تلك المظلات حامية للكثيرين من الفاسدين الذين أثروا من خلال مواقعهم التي يديرونها.
إننا نريد (سوبر مديرين) يتمتعون بأخلاقيات عالية يتعلمون ويعلمون, لا يدعون معرفة كل شيء وهم لا يعرفون شيئاً, واعتقد أن عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية كان محقاً في مقالته التي عنونها (مديرون يعرفون كل شيء) وهم لا يعرفون شيئاً.. نريد مديرين يضعون مصلحة الوطن والمواطن أمام أعينهم.. نريد مديرين يقوّم عملهم إنتاج مؤسساتهم والناس, لا أن يقوموا من خلال (تلطيهم) خلف أبواب المسؤولين وبعض المظلات, وشراء بعض الضمائر الضعيفة التي تروج لهم من خلال لقاءات يبتدعونها, أو مؤتمرات يعقدونها, أو وسائل إعلامية يصدرونها.. إن المرحلة التي نعيش هي مرحلة عمل وإنتاج وتطوير وتحديث, وإنهاء لحالة الفساد والمفسدين في وزاراتنا ومؤسساتنا وخاصة تلك الاقتصادية منها التي نعوّل عليها الآمال الكبار في دعم اقتصادنا الوطني.