ربما كان اللا معقول الذي وصلت إليه سياسة إسرائيل هو الذي أوصل هذه القناعات إلى العلن, بعد أن أطلقت حكومة شارون العنان لسرد آخر مالدى قادتها من صنوف السادية والوحشية , والتي دفعت بأكثر من مسؤول ليفرغ ما في جعبته من عنصرية.
آلاف المعتقلين الذين لا تعني حياتهم شيئا للاسرائيليين , تفترض قوانين الشرعية الدولية أنهم يشكلون المأساة الأخرى القابعة في الاحتلال الاسرائيلي.
والمفارقة أن تبقى الأصوات التي طالما كانت تعلن حضورها لفرد أو أفراد, صامتة أمام تلك المأساة, والأشد مفارقة أن يكون التحرك حتى اللحظة غائبا أو مختصرا ً.
الجامعة العربية التي تبحث خطة التحرك, قد تشعل الشمعة الاولى في ابراز القضية , ولكن صوت حفيد غاندي كان مدويا, حيث ننتظر غدا حملة تضامن عالمية , تنهي الصمت, وقد تحرج الكثيرين.
القضية ليست في مساحة التضامن بقدر ماهي في عمق التأثير, خصوصا أن الآلاف منهم يواجهون الخطر الداهم, ورفض طبابتهم آخر ما تفتق عنه الإجرام الاسرائيلي.
الحالة الشاذة في النموذج الاسرائيلي أضحت صارخة ومكتملة الأبعاد والجوانب, لذلك كان وجهها بشعا إلى ذلك الحد وكانت وحشيتها بارزة بهذا المستوى ولكن كل ذلك هل يكفي?! الإجماع يحتاج إلى ترجمة, والإرادة الفعلية تحتم التحرك, والتحرك تتوافر له كل الوسائل والأدوات, وحتى المناخ, والوقائع تدفع, بل وتفرض الإسراع,لأن الخطر أضحى مخيما فوق رؤوس أولئك الذين رفضوا الاحتلال ورفضوا الخنوع والاستسلام.
والمجابهة لا تقتصر على جبهة واحدة, بل ثمة جبهات, وتفعيلها لا يحتاج الى نقاش,بل إلى استنفار كل الأدوات والوسائل, والفرصة السانحة يجب ألا تهدر ..
لعقود خلت والأصوات المبحوحة, تحاجج,وتطالب , وعند الحقيقة تصمت وفي الحد الأقصى من الوحشية التي تنتهك إنسانية المعتقلين, ألا يشكل ذلك حافزاً للحركة والتحرك, للمساءلة والتساؤل, للطلب والمطالبة?!
إن العالم المصدوم بذلك المشهد الأكثر بشاعة, وبتلك الممارسة الأكثر وحشية ,يقف اليوم على مفترق خطير, حيث الخيارات أمامه تبدو محدودة , والوقت لايسمح بمزيد من الانتظار, خصوصا أن شبح الموت المخيم على الآلاف يضغط أكثر من أي وقت مضى .
إنها لحظة حاسمة في تاريخ البشرية , لها امتداداتها المتشعبة , كما لها تداعياتها الخطيرة, وإسقاطاتها الأخطر, والذين يرفضون الخضوع والركوع حسموا خياراتهم مسبقا, وأكدوا مصداقيتهم, وبقي على المجتمع الدولي, إثبات مصداقيته أمام الاختبار الحقيقي القائم.