***
وسهل جدا أن تطلق المذيعة المتبرجة جدا كي تبهر الكاميرا أولا وأخيرا على فنان يعجبها -فنان العرب.. أو نجم العرب.. أو مطرب الأوف.. أو معبود الجماهير.. وربما تنسى وتسميه نجيب محفوظ, المهم أن تطلق عليه أشهر الألقاب وأعظمها حتى يتحول هذا (المطيرب) إلى ديك منفوش على الرغم من الكريم اللزج الذي يضعه على رأسه المصقول.
من هنا تبدأ الحكاية.. حيث يصدق هذا -الدرويش- اللقب ويروح في بث النظريات حول الموسيقا والأغنية وربما الشعر لدرجة أنك تخاله من مؤسسي الحركة الموسيقية الرائدة في القطر, وأنه سبق كبار الموسيقيين والملحنين أمثال الأستاذ أمين الخياط أو عبد الفتاح سكر أو ابراهيم جودت وغيرهم كثير, كثير من رواد الأغنية السورية المتميزة.
***
مشكلتنا مع الألقاب أنها تنتشر ويصدقها البسطاء, ويصير لها أجنحة تطير من مدينة إلى أخرى دون محاكمة لصحتها ودون تبرير لمصداقيتها.. كما أن هذه الألقاب السريعة المترهلة على أصحابها تأتي غالبا على لسان أشخاص لا يقدرون مدى تشويه هذه الألقاب للحقيقة بالإضافة إلى أنها تسيء إلى الآخرين وتلغي وجودهم وجهدهم الذي يكون في معظم الأحيان سباقا ومتميزا أكثر حاملي الألقاب الطنانة, الرنانة. وكلنا يتذكر النجمة مريم فخر الدين التي مازالت تردد استياءها من لقب النجمة فاتن حمامة (سيدة الشاشة العربية) الذي ألغى فنانات جيلها وكن متميزات مثلها وربما أكثر منها.. فهل ننساق وراء الألقاب كمتلقين ونصدقها?! أم ندرك أنها مجرد مجاملة لفنان يعجب إعلاميا ما, دون أن يكون هذا الإعلامي أو المذيع يميز بين الدو والري?
***
بالتأكيد هذه الألقاب في معظمها تأتي انفعالية وساذجة أحيانا. وقد تنقلب إلى حال من السخرية عندما لا يستحقها الفنان, فتنقلب عليه وتسيء له, فيخسر الفنان جمهوره لأن الألقاب لا تحجب الحقيقة مع أنها تشوش الرؤيا لفترة من الزمن, ينقشع بعدها العماء الذي يغطي الحقيقة.
الإعلام المرئي والمكتوب يساهم إلى حد كبير في انتشار الألقاب وإطلاق المدائح الطنانة الرنانة لأشخاص لا يحق لهم أن يظهروا أمام الكاميرات أبدا. مع ذلك تدهشك مذيعة كيف تعظم شخصا لا يمتلك مؤهلات التعظيم.. وتلغي اللقب الحقيقي والوصف الحقيقي لمفكر كبير أو فنان له باع طويل في تطوير الحركة الفنية أو الأدبية. إن الألقاب قضية حساسة جدا ولا يحق لأي كان -فقط لأنه تحت الضوء- أن يطلق هذه الألقاب ويعممها على الشارع.. وهو غير مؤهل لذلك.. لكن اللقب يكون بمثابة المكافأة للمبدع والفنان إذا جاءت على لسان ناقد موثوق به ومشهود له بالكفاءة. غير أن ذلك غير متوفر لأن النقاد ناموا على عتبة نجيب محفوظ وجيله ولم يفيقوا بعد على خبط الأجيال الجديدة.