فالصحافة الاسرائيلية التي أفردت صفحاتها لكيل الاتهامات والتطاول على دول عدم الانحياز وقرارها الأخير , تعكس مزاجا من العداء يسيطر على الشارع الاسرائيلي , وبالتالي فإن سياسة شارون هي انعكاس لتلك الاتجاهات.
وفي المحصلة يأخذ الغضب الاسرائيلي من أي موقف دولي صيغة الإملاء لدرجة رفض أي انتقاد لسياسة إسرائيل وتصنيفه مباشرة في خانة العداء للسامية, تلك التي لاكتها الدعاية الصهيونية لحد الاهتراء .
والسؤال الحقيقي : مادامت اسرائيل تتعاطى بكل هذه السلبية مع أي موقف من أي جهة كانت , ألا يشكل ذلك دليلاً على حالة شاذة لم يعرفها المجتمع الدولي من قبل . وما دام التأثير قويا الى هذا الحد ألا يدفع ذلك باتجاه تفعيل مثل هذه القرارات ?!
لاشك بأن اسرائيل التي يستوطن العداء فيها للفكر البشري عموما , ولكل ما يتعارض مع أطماعها وعدوانيتها قد استمرأت التطاول واعتادت على تغاضي المجتمع الدولي حيال هذه الأطماع وتلك العدوانية, وأي موقف ينطوي على تغيير في لهجة التغاضي يتحول فوراً إلى كيل من الاتهامات ,وتجند له الدعاية الصهيونية أبواقها للتشهير .
لقد جاء قرار دول عدم الانحياز بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وصادرات المستوطنات ومقاطعة الشركات التي تشارك في بناء جدار الفصل العنصري ,ومنع المستوطنين من دخول أراضي هذه الدول, جاء خطوة ضرورية في وقت تشهد فيه الممارسات العدوانية تصعيدا خطيراً على أكثر من مستوى , وفي وقت بلغت فيها دمويتها حداً غير مسبوق .
وينتظر أن تشكل هذه الخطوة حافزاً لخطوات أخرى أكثر ضرورة , ولاسيما في ظل الرفض الاسرائيلي لقرار محكمة العدل الدولية , وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة, مع الاستمرار في سياسة القتل والتهجير ومواصلة الاستيطان الذي يتناقض مع جميع القرارات الدولية.
وإذا كان الغضب الاسرائيلي إحدى السمات البارزة , فإن السمة الأخرى التي لاتقل بروزا هو التحول في موقف المجتمع الدولي, حيث الاستجداء الاسرائيلي للأوروبيين والابتزاز السياسي يأخذ حيزه في جولة وزير الخارجية الاسرائيلي الأوروبية بعد أن رفض الأوروبيون صيغة الإملاء الاسرائيلية , وأكدوا على أن دورهم لاتحدده اسرائيل.
أمام هذا الواقع . ثمة أفق جديد يرتسم , وثمة معطيات لابد من التوقف عندها وتشير بمجملها الى صيغ جديدة تجتاح المشهد الدولي , وليس قرار دول عدم الانحياز سوى مقدمات متواضعة لتلك الصيغ, وهي مقدمات تصلح للبناء عليها والتأسيس لموقف ينهي عقوداً من الاستلاب التي مارستها الدعاية الصهيونية.
وكان واضحا من ردة الفعل الاسرائيلية إدراك ذلك بوضوح . حيث يعكس قلقا متزايداً لدى الأوساط الاسر ائيلية من تأثير النظرة الدولية على وضع اسرائيل وموقفها وممارساتها , حيث الحقائق التي ظلت غائبة حيناً ,ومغيبة أغلب الأحيان ,قد طفت على السطح وبرزت.