وعملية الجباية هذه صارت هدفا يجتهد أصحابه للحصول عليه, ولا يهم إن كانت المخالفة حقيقية تستوجب العقوبة المالية أم أنها عملية فصلت خصيصا لتحقيق هذا الهدف..عندها تنقلب الصورة, ويبتهج العنصر, وتنفرج أساريره عندما يضع يده على مواطن تجاوز دون أن يدري, وخالف القوانين فتبدأ عملية الالتفاف وإصرار الطرفين على رأيهما أمام تمسك الموظف بتحرير المخالفة أو تجاوزها إن علم المواطن سر التفاهم مع محررها.
هذا الأمر صار مألوفا حيث تكثر شكاوى الناس وتذمرهم من هذه الحالات وسط رغبة عامة في تجاوزها لما تتركه من اثار سلبية على سمعة الجهة التي يمثلها هذا الموظف وعلى آلية تحصيل المخالفات بشكل عام.
بالتأكيد لا أحد يقبل بتجاوز القانون..كما أنه لا أحد فوق القانون وهذه من طبيعة نظام الحياة,وبالتالي فكل من يقوم بالمخالفة يجب أن يحاسب, لأن المحاسبة مطلب عام أيضا وضرورة لسيادة روح القانون ونصه..أما أن تتحول المخالفة بغاياتها وأهدافها عن الإصلاح إلى الجباية فهذا ما نراه مخالفة موصوفة تحتاج إلى المعالجة.
ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع أن رسالة وصلتني من مجموعة من المفتشين التابعين لشركة النقل الداخلي, والمعنيين مباشرة بمراقبة قطع التذاكر على باصات الشركة العاملة على خطوط معينة ومحددة, وقعوا تحت ضغوطات من إدارتهم طالبتهم صراحة بتحرير 5 مخالفات كحد أدنى,ومن لم يفلح بهذا الرقم سيحجب عنه ما يسمونه بالحوافز الإنتاجية والمكافآت وغير ذلك.
حتى أن عملهم هذا صار يستهدف تحقيق هذا الرقم كحد أدنى,لكن المفتشين أكدوا أن هذا الإجراء بعيد عن المنطق,فماذا يفعلون إذا كان المواطن ملتزما بقطع التذكرة ولم يتوفر على الخطوط التي تعمل عليها باصات الشركة عدد من المخالفين يحقق الحد الأدنى الذي يرضي طموح الإدارة ويسعدها, ويجعلها أكثر سرعة وكرما في منح المكافآت لبعض الإداريين العاملين لديها,هنا كما تقول الرسالة بدأت تظهر المشكلات والنزاعات أمام إصرار المفتش على تحرير المخالفة لتذكرة مقطوعة نظاميا بحجة أن الرقم والتاريخ, وهو يعلم بل متأكد تماما بأن الحصالة معطلة ولا تقوم بهذه العمليات..فالأخير عليه أن يرضي إدارته..والمواطن عليه بالمقابل أن يقع ضحية هذه المزاجية التي تخالف المنطق بالعموم.
فالكارثة عندما تتحول المخالفة من حالة رادعة لتصويب الأمور إلى غاية بحد ذاتها لجباية الأموال ونشوب الخلافات, وكأن هذا الأمر دعوة صريحة لعدم استخدام باصات الشركة, لأن أحدا لا يقبل أن توجه إليه الاتهامات بالمخالفة وهو بريء منها,ولا يقبل أن تحرر بحقه مخالفة على أشياء لم يرتكبها..
السؤال الآخر الذي لم أجد له تفسيرا يتعلق بالتعليمات المدهشة التي أصدرتها مؤسسة العمران بعدم توزيع الإسمنت على المواطنين الذين يملكون رخصا نظامية بحجة عدم توفر المادة في مراكزها, والسماح للمقاولين والتجار وغيرهم بالحصول على ما يريدون من كميات في هذه المراكز لتتحول إلى مستودعاتهم,وتعود إلى المواطن بأسعار عالية جدا,حيث يبقى السؤال يطرح نفسه حول إمكانية توفير ما تريد من السوق السوداء, وعدم توفر ذلك لمواطن يملك رخصة نظامية للبناء,وما ذنب المواطن إذا كانت طاقاته وقدراته لا تؤهلانه للحصول على الإسمنت من مراكز الدولة, بينما يتوفر ذلك بسهولة ويسر في المستودعات الخاصة.
أسئلة تطرح نفسها والاجابات عند من يهمه الأمر.
ونرجو ألا يطول ذلك?!