بعيداً عن التفاصيل الداخلية للسباق الانتخابي المحموم الذي تشهده الولايات المتحدة, وبعيداً عن حملات الجمهوريين والديمقراطيين, وعلى الرغم من أنها تستحق الاهتمام والتوقف, إلا أنها وبسبب كثرة التناقضات التي تنطوي عليها هذه الحملات وتلك التصريحات يجد المتابع صعوبة في تناولها, غير أن أكثر ما يلفت في هذا السباق ومع اقتراب موعد الانتخابات, ذلك التراجع الخطير عن المواقف التي اعتبرت استراتيجية عندما تم الإعلان عنها, خاصة فيما يتعلق بالعراق وفلسطين.
ويبدو أن موسم الانتخابات الأميركية يتزامن بالضرورة مع مواسم أخرى, منها موسم الاعترافات بالأخطاء طلباً للرحمة والمغفرة, ومنها أيضاً موسم العطاءات والإغداق على إسرائيل بلا حساب ولا حدود استجداء للصوت الانتخابي الصهيوني.
فإذا كان الرئيس بوش المرشح الجمهوري للرئاسة قد أعطى مؤخراً رسالة الضمانات لإسرائيل ورئيس وزرائها مجرم الحرب أرييل شارون, والتي تضمنت إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم, وإعفاء إسرائيل من الانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران, وأتبعها قبل عدة أيام بالتراجع عن انتقاد توسيع الاستيطان والقبول ببناء أكثر من ألف وحدة استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.., واليوم يضيف إلى ذلك كله خضوعه للوبي الصهيوني ومجموعات الضغط اليهودية بإسقاط عبارة (الالتزام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة) من برنامجه الانتخابي, فماذا ترى سيقدم بوش لشارون خلال الشهرين القادمين?!.
على الجهة المقابلة في هذا السباق, لا يبدو المرشح الديمقراطي جون كيري أفضل حالاً من منافسه لجهة التزلف لإسرائيل واستجدائه الأصوات اليهودية والصهيونية, وكلنا يتذكرتصريحاته الخطيرة المتعلقة بالمنطقة والصراع العربي- الإسرائيلي, والتي أكد فيها أنه لن يمارس ضغوطاً على إسرائيل يمكن أن تهدد أمنها في سياق تسوية سلمية بالشرق ا لأوسط.
في هذا السباق المحموم الذي يلفه العداء للعرب والفلسطينيين كعنوان يكاد يكون واحداً لشعارات وحملات الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء, ربما يكون المرشح المستقل لانتخابات الرئاسة الأميركية رالف نادر الوحيد الذي اكتشف اللعبة وحقيقة الحمى ولامسها عندما انتقد المسؤولين الأميركيين بسبب انصياعهم للضغوط الإسرائيلية وقوى الضغط اليهودي, وعندما وصفهم بأنهم دمى يحركها الإسرائيليون فهل نعلن نحن العرب- ولو متأخرين- اكتشافنا لما اكتشفه نادر كخطوة أولى لمواجهة السياسات الأميركية الجائرة تجاه قضايانا القومية العادلة?!.