سنوات التأسيس مضت في استذكار وحفظ قصائد تخلو من البهجة والمتعة, وتحفل بلغة تقريرية تلقينية تتناسل صورا لا علاقة منطقية فيما بينها, مثل تشبيه الحقل بوجه البلاد, وإذا تواضع الشاعر توجه الى جبهة الأطفال يأمرها أن تنفجر أمرارا (هكذا جاءت) حتى باتت حصة النشيد حصة اختبار للحافظة, تكرج الكلمات من طرف اللسان, ولا تتدفق الصور من إوار القلب ومختبر العقل.
ودارت الأيام, وها هو وحيدي يعيد سيرتي اللا شعرية مع نصوص الابتدائية, حتى اقتربت من إيمان هو أقرب الى الكفر في جوهره بأن علامة شعر الأطفال الفارقة إحدى ثلاث: الجهامة او السماجة او الركاكة, لكن كتابا أصدرته وزارة الثقافة بالتعاون مع اليونيسيف عن أدب الأطفال أعاد في باب شعرهم العلاقة الى جادة الصواب وإن قطعتها اشارات غير ضوئية, بل هي اشارات تعجب لا تكاد تنطفىء حتى تنتصب أكبر منها اشارات استفهام عن السبب في أننا لم نقرأ هذا الشعر في طفولتنا.
ففي الدراسة التي أعدها الشاعر بيان الصفدي, كم من قصائد رهيفة, كتبت بمنطق الطفل فأنارتها الطزاجة وظللتها الدهشة وتأرجحت ما بينهما المتعة والتسلية البريئة.. بدءا من شاعر الطفولة الأستاذ سليمان العيسى في قصائد مختارة, وصولا الى أسماء لم نقرأ لمعظمها في كتبنا المدرسية مثل مصطفى عكرمة وممدوح سكاف وياسر المالح وحامد حسن... فكانت قصائد ولا أجمل عن المظلة والقطة والساعة وشرطي المرور ومعرض دمشق والخبز والأم والفدائي..
بالفرح, بالخيال, بالمتعة نرسم البدايات الصحيحة لعلاقة أطفالنا, ليس بالشعر وحده, بل بالقيم التي نتمنى أن تنغرس في وجدانه, فنلجأ خطأ للأمر والتلقين واستطالات السرد..
وللتذكير أورد المقطع الأخير من قصيدة الشطرنج لمصطفى خضر وفيها يقول:
احفظ جنودك
من يضحي بالصغير
غداً يضحي بالكبير
وانقل حجارك باحتراس واتزان.