وبالعودة الى التصريحات التي أعقبت إعلان انتهاء العمليات العسكرية في العراق, حاول الرئيس بوش الدفاع عن سياسته في العراق, كما حاول تبرير إخفاقاته السياسية, واعترف بمأزقه ليعود بعد فترة قصيرة ليعلن أن الحرب لم تنته بعد.
واذا كان بوش قد قارب الحقيقة باعترافه إساءة تقدير ظروف ما بعد الاحتلال لجهة عمليات المقاومة, فإن الوقوف على هذه المقاربة لا يستدعي معرفة الدوافع التي أملت عليه إقراراً من هذا النوع, ذلك أنها لا تخرج عن نطاق الظروف والمقتضيات الانتخابية, وإنما يستدعي التوقف عند من يحاول مساعدة بوش حمله على التراجع عن الإقرار بهذه الحقيقة والعمل على طمسها.
مناسبة العودة لاعتراف بوش بالمقاومة ذلك القتل الجماعي اليومي للعراقيين الذي تمارسه قوات الاحتلال الأمريكية.. فخلال الأسابيع الماضية تكررت الغارات الأمريكية على مدينتي الفلوجة وسامراء وغيرهما, والتي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى العراقيين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ.
وبذريعة تعقب(الزرقاوي) تلك الأسطورة البدعة الخرافية الامريكية الصنع يجري قتل العراقيين بشكل جماعي, فعقب كل غارة يشنها الطيران الأمريكي يقوم المتحدثون باسم الاحتلال بالتأكيد على استهداف مجموعات إرهابية مسلحة, لتفضح الصورة في اليوم التالي حقيقة ما يجري فتظهر دمارا مرعبا قد لحق بمنازل عراقيين أبرياء باتوا أمواتاً تحت أنقاض بيوتهم المستهدفة, وأنه ليس هناك إرهابيين أو مسلحين.
ولتبرز للعلن المفارقة الكبرى وغير المقبولة, حيث يعترف الاحتلال بالمقاومة بينما يحاول البعض إنكار وجودها.. رموز الاحتلال يعترفون بأن الحرب كانت غلطة, والبعض مازال يبحث لها عن اسم آخر.. كثير من الأمريكيين (سياسيون واعلاميون ودبلوماسيون) باتوا يؤمنون بأن زمام الحرب قد خرج عن نطاق السيطرة الأمريكية, وبأن كلفتها أصبحت خطيرة وكبيرة لا يمكن احتمالها.. وآخرون يحاولون لملمة الوضع وتجميعه لوضعه تحت السيطرة من جديد!!.
ان ما جرى من حرب عدوانية ضد العراق هو جزء من مخطط استراتيجي كبير سبق لوزير الخارجية الامريكية كولن باول أن أعلن عنه, وفضلا عن أن ثروات العراق تشكل جزءا من هدف إعادة تشكيل المنطقة ورسم خرائطها السياسية, فإن تطويع العالم وبسط الهيمنة عليه يمثل الهدف الآخر من هذا المخطط الجهنمي الذي وضعه متطرفو البيت الأبيض.
واذا كان الجمهوريون قد أقروا مفهوم الحرب الاستباقية والضربة الوقائية مجددا في مؤتمر الحزب وفي برنامج بوش الانتخابي, فإن تطبيق هذا المفهوم ووضعه موضع التنفيذ في العراق, ثم إعلان العراق ساحة رئيسية للحرب ضد الإرهاب لا يعني سوى الاستمرار بممارسة القتل الجماعي للعراقيين لأربع سنوات قادمة لن تنسحب القوات الأمريكية خلالها من هذا البلد مالم تستجد تداعيات ومفاعيل جديدة على الوضع الذي ربما يكون الشعب العراقي أحد أهم مكوناته رغم - وبسبب- سياسة القتل الجماعي التي تمارس ضده.