وفي سورية تأخرنا كثيراً حتى بدأنا بإقامة مدن صناعية في ثلاث محافظات كبيرة هي ريف دمشق وحمص وحلب, بعد المعاناة الطويلة من العشوائية والفوضى في توزع المنشآت الصناعية داخل المدن وعلى أطرافها وما تركته من آثار سلبية على الناس والبيئة.
وما زلنا نعاني من وجود الكثير من الصناعات والورش التي تعمل داخل المدن, وأسوأ هذه المنشآت وأكثرها ضرراً الدباغات التي تتوضع داخل مدينة دمشق تاركة مخلفاتها وطارحة المواد الكيميائية التي تسبب تلوث التربة والمياه الجوفية!!
ورغم كل الضرر والآثار السلبية التي خلفتها وتخلفها الصناعات والورش والدباغات, فلم تكن هذه الأسباب كافية لدى الجهات المعنية لنقل تلك المنشآت إلى نطاق ومدن صناعية, بل كان السبب الرئيسي لإقامة مدن صناعية في محافظات ريف دمشق وحمص وحلب هو إحداث قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 91 وتعديلاته, والحاجة الماسة إلى إقامة مثل هذه المدن الصناعية لإقامة المشاريع والاستثمارات الصناعية, لما يمكن أن توفره من بنى تحتية وكهرباء ومواصلات وهاتف ومياه ومراكز إدارية ومصارف ومكاتب جمركية وغيرها من الخدمات التي يمكن أن توفرها المدن الصناعية وتتجمع في مكان واحد, بدل توزعها على أماكن عديدة ومتباعدة.
صحيح أننا تأخرنا في إقامة مدن صناعية, ولكن لا بأس أن نبدأ متأخرين من أن لا نبدأ, والبداية كانت صحيحة باختيار ثلاث محافظات تتركز فيها معظم الصناعات والمنشآت الاقتصادية وهي ريف دمشق وحمص وحلب, على أن تتم إقامة مدن صناعية أخرى في بقية المحافظات, والإسراع بنقل الصناعات والورش من داخل المدن والمناطق السكنية وتخليصها من مشكلة التلوث بكافة أشكاله وأنواعه.
وتحظى المدن الصناعية باهتمام كبير وعلى أعلى المستويات نظراً لما يمكن أن تقوم به من خلال دعم القطاع الصناعي وتعزيز دوره وتزيد من قدرة الصناعة السورية على المنافسة في الأسواق الخارجية من خلال تجميع هذه الصناعات في مواقع تعطيها إمكانية الحركة والتسويق والتصدير وتحسين جودة المنتجات والاهتمام بالنوعية والمواصفات القياسية العالمية.
وقد وصف المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء خلال جولته في المنطقة الصناعية بعدرا وحوش بلاس المدن الصناعية في ريف دمشق وحمص وحلب بأنها وضعت الأساس لعملية التنمية الصناعية, وذلك من خلال تهيئة البنى التحتية, مشيراً إلى أن قانون الاستثمار رقم /10/ يمثل الأسباب الرئيسية لإنشاء هذه المدن, حيث بلغت كلفة المشاريع المشمولة فيه لغاية أيلول الماضي حوالى /140/ مليار ليرة سورية, وهذه المشاريع تستوجب إيجاد الأماكن اللازمة لمساعدة الصناعيين في إشادة مثل هذه المنشآت.
ونتمنى أن يتم نقل كافة الصناعات الضارة خارج المدن إلى المدن الصناعية التي أقيمت في المحافظات الثلاث والمدن التي ستقام في المحافظات الأخرى, وتخليص المناطق السكنية والمدن من مخلفات وأضرار الصناعة.
ويمكن لإدارات المدن الصناعية الثلاث تبادل الخبرات وتذليل الصعوبات التي تقف في وجه إنجاز هذه المدن وتجاوز الروتين والبيروقراطية عن طريق تعاون كافة الجهات وتجاوبها في هذه المسألة لإنجاز هذه المدن بأوقات قياسية وإدخالها بالاستثمار.