واللافت أن الولايات المتحدة بدأت تعزف على هذا الوتر وتدعو العراقيين للمصالحة وتظهر وكأنها تعمل لهذه الغاية ,خلافا لممارساتها على أرض الواقع والتي تستهدف التلاحم والوحدة الذي تمسك بهما الشعب العراقي ,بمواجهة المحاولات الرامية لدفعه إلى التناحر والاحتراب السياسي والطائفي .
ومع أنه لاخوف على الوحدة الوطنية العراقية رغم تواصل الأعمال المناوئة لها من الاحتلال وأعوانه ,لابد من استمرار تحرك القوى الوطنية للانتقال من الحالة الراهنة لهذا التماسك إلى أخرى من شأنها كشف الحالات المضادة المشبوهة ,وتعريتها ومواجهتها ,بما يكفل عدم استفحالها أو تحولها إلى أداة بيد الاحتلال ضد المصالح العليا للشعب العراقي.
لاشك أن تمسك العراقيين بالوحدة الوطنية وإبداء الحس العالي بمخاطر فقدانها, وعدم الثقة بمواقف الاحتلال وتطميناته ,وطروحاته, يمثل الخيار الأمثل للوصول إلى الأهداف المرجوة وعلى رأسها استعادة السيادة الكاملة واستتباب الأمن وتوفير المشاركة الوطنية للجميع دون استثناء في العملية السياسية الهادفة لبناء العراق من جديد ويستدعي ذلك مزيدا من الحوار والحرية في إبداء الرأي, وتقبل الرأي الأخر, إزاء كل ما يتم طرحه وتداوله حول الانتخابات وشكل النظام السياسي المقبل .
وإذا راجعنا تصرفات الاحتلال على أرض الواقع نجد أنه لا يوفر هذه الضرورات لقيام حوار وطني شامل ,ولا يسعى لتوفيرها بل يعمل في الاتجاه المعاكس في غالب الأحيان حيث سجل أكثر من ممارسة لمصادرة الآراء والطروحات التي لا تخدم سياساته, أو ما تطرحه بعض القوى السياسية في الحكومة المؤقتة وتعد عمليات الاعتقال التي تقوم بها ضد بعض الرموز السياسية والدينية التي تعبر عن رأيها في الواقع الراهن ,إضافة إلى رفضه مشاركة القوى المعارضة لوجوده والمطالبة برحيله في الفعاليات الإقليمية والدولية أبرز إجراءاته المعلنة في هذا الشأن ما حال دون تبلور موقف عراقي موحد تجاه الانتخابات المزمع إجراؤها في كانون الثاني القادم .
وانطلاقا من ذلك وتفاديا لتدخلات سلطة الاحتلال فيما يراه العراقيون لمستقبلهم السياسي من المهم جدا أن يتحرر أي مؤتمر وطني عراقي, أو أي عمل يصب في هذا الاتجاه والغاية مهما كانت طبيعته ,والقضايا التي يناقشها من هذه التأثيرات والضغوط, ويعمل المشاركون فيها وفق ما تمليه عليهم مصلحتهم الوطنية العليا ,فذلك يجنب العراق المزيد من الفوضى ,ويؤسس لوضع سياسي سليم يضمن توحد الآراء والمواقف وتوافقها .
فالمصالحة الوطنية التي يدعو لها الاحتلال في العراق مرهونة بمدى توقفه عن الممارسات التي تهددها ,والاستماع لمطالب العراقيين والوفاء بالوعود التي قطعها للمجتمع الدولي قبل الغزو, وأقواله لاقيمة لها في هذا الشأن مالم تتحول إلى أفعال .