والتي كشف فيها النقاب عن الدور القذر الذي مارسته إسرائيل من أجل استصدارهما, وبالصيغ التي تعكس التدخل السافر في الشؤون السيادية والداخلية لبلد عضو ومؤسس للأمم المتحدة, وبما يتعارض مع مبادئ المنظمة الدولية وميثاقها, هذه التصريحات إن صحت وأغلب الاعتقاد أنها كذلك حتى يثبت العكس, تشكل فضيحة سياسية وأخلاقية مجلجلة للولايات المتحدة ومن يسير في ركابها, تفضح إلى أي مدى وصل النفوذ الصهيوني وتغلغله وتأثيره في مواقع السلطة والقرار للدولة العظمى وبعض الاطراف الأخرى المتنفذة في الساحة العالمية.
وهي تطرح تأكيدات الوزير الصهيوني القائلة: أن لا أحد يمارس أي ضغوط على إسرائيل بشأن سورية وأن الأميركيين أبلغوا حكومته أنه ليس من الصواب التفاوض معها, مسألة في غاية الحساسية والخطورة والأهمية تمس مصداقية أميركا وهيبتها ودورها واستقلالية قرارها.
وعما إذا كانت صناعته فعلا في واشنطن أم في تل أبيب, ووفق رؤى وصياغات لا تتطابق مع المشروع التوراتي وتخدم عقيدته فحسب, وإنما تذهب بعيدا في التطرف وتزاود حتى على المؤسسة العسكرية الصهيونية وشارعها العنصري, في العداء والكراهية للعرب وللسلام.
ورغم أن شالوم لم يأت بجديد لا نعرفه ويغيب عن الرأي العام الدولي, الملم بعمق العلاقة العضوية والتحالف الاستراتيجي القائم بين أميركا وإسرائيل التي شهدت في عهد إدارة بوش الحالية تطورا واندفاعة غير مسبوقة, وصلت حد الالتصاق الكلي بالمشروع الصهيوني وتأمين التغطية والدعم الكاملين له, والمشاركة العملياتية في خوض معاركه وحروبه على كل الجبهات وفق منهجية مفرطة في الوحشية والدموية تعتمد التدخل والغزو والحروب الاستباقية وإدارة الأزمات, أساءت لأميركا وصورتها ووضعتها في الحضيض .
إلا أن هذا الكلام يبقى برسم الشعب الأميركي المغرر به والواقع تحت تأثير الدعاية الصهيونية المضللة,باعتباره المعني بالتبعات والمساءلة والتصويب لسياسة بلده وتلمس ومعرفة الأسباب الحقيقية الموجبة لموجات العداء المتصاعدة والمتنامية ضد الولايات المتحدة لا في هذا الجزء المضطرب من العالم فحسب وإنما على مستوى العالم كله .
لقد أكدنا ولا نزال : أن لا سياسة لأميركا في المنطقة بمعزل عن إسرائيل ومشروعها العدواني التوسعي , وخارج ما ترسمه الدوائر الصهيونية وتعده مطابخها , والتطورات والأحداث سواء ما اتصل منها بالأوضاع المتفجرة على الأرض, والحرائق المشتعلة في كل من فلسطين والعراق بهدف الاحتواء والإركاع والتصفية للحق وللوجود العربي, أم ما تعلق منها بعملية السلام والتحلل الأميركي الإسرائيلي من التزاماتها , ومحاولات اختزالها واستبدالها تحت وطأة الضغوط وأعمال الترهيب السياسي والعسكري, بفتات وحلول هزيلة وإملاءات هي في التوصيف العام استسلام وقبول بشروط المعتدي وتشريع لاحتلاله, معطيات ووقائع تثبت صحة ما ذهبت إليه سورية في تقييمها لأداء الولايات المتحدة وسياستها طوال العقود الماضية إلى يومنا هذا.
وبالتأكيد فإن ما ساقه شالوم وأفصح عنه لا يشرف الأميركيين و أولئك السائرين في الركب وتحت المظلة, والذين يتحفون العالم ويغرقونه بالشعارات ويريدون تصدير الحرية والديمقراطية على طريقتهم الخاصة, وبالنماذج الفلسطينية والعراقية والأفغانية وأخرى كثيرة لا حاجة للتذكير بها وإعادة نبشها,وهو أكثر من إدانة تستوجب الرد , وإعادة النظر في السياسات الظالمة وتصحيحها, والتوكيد أن لا امتيازات ولا استثناءات ولا انتقائية ومعايير مزدوجة في التعاطي مع ملف الصراع, وأن السلام في النهاية يجب أن يسود وإسرائيل من يتوجب عليها دفع أثمانه واستحقاقاته.
ولعلها مناسبة لإعادة التذكير بأن لا خلاف مع الشعب الأميركي, وإنما مع السياسات المتصهينة التي يمعن المحافظون الجدد في واشنطن اتباعها حيال المنطقة وقضاياها, ويترك بموجبها لإسرائيل حرية العربدة والاستباحة والاغتيال المنظم للسلام .