تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الجمعة 12 / 11/2004م
قمر كيلاني
الطفلة التي سافر أبواها في مهمة شاقة بعد أن أصيب أحد أفراد العائلة بحادث تأتي لعندي.. وأنا شبه وحيدة.. وشبه غريبة.. في العاصمة الكبرى والعجيبة القاهرة.

ووقعت في دائرة الحيرة.. كيف أمتعها.. كيف أسليها.. قلت: تعالي أحكي لك حكاية..‏

تراخت أقدامها وابتسمت مثل أي طفلة تساير جدتها: هات ما عندك.‏

فأخذت أحكي لها عن الباشق الكاسر الظالم الذي حط عند المساء في غابة العصافير فلم يجد منها واحدا لأنها جميعا كانت قد لجأت إلى أعشاشها عندما سمعت خفق جناحيه المفترسين.. ماذا يفعل?‏

هل يقتحم الغابة كلها .. أو ينقض على الأشجار واحدة تلو الأخرى ليهزها فيسقط العصافير?‏

وبينما هو كذلك رأى عصفورا سمينا يطير بتثاقل باحثا عن عشه الضائع..‏

قال له: هل تساعدني بزقزقتك على إخراج العصافير من أعشاشها وأجعلك ملكا عليها?‏

ضحك العصفور السمين وقال: ما يدريني أنك ستفعل بعد أن تنقض على العصافير.. وعلى من سأكون ملكا إذا ماتت العصافير?‏

قالت الطفلة وهي تحطم الدائرة المغلقة:‏

قصة ساذجة وبسيطة ولا تعجبني.. أين جهاز الكمبيوتر? وأسرعت ترسم فوق شاشته الفضية ألوانا وأشكالا.. وسهولا وغابات.. وتصدر أصواتا مثل أصوات طيور جارحة وعصافير وهي تضحك.‏

أقول وأنا أنصب دائرتي الثانية: لماذا لانذهب في جولة لأحد الأسواق, ويومنا هذا يقترب من الأعياد? قالت: حسنا.. لكنني لاأحب الأعياد.. كلها سخيفة وليس فيها ما يسلي مثلا أو يفرح.‏

وهكذا حطمت لي الدائرة الثانية.. ومثل أي طفلة مهذبة هبطت معي إلى السوق..‏

وأمام دكان مزدحم بالشموع قلت لها: سأشتري شمعة لروح عبد الناصر مادمنا قريبين من ضريحه. قالت: وهل عبد الناصر من صحابة الرسول?‏

يا لدائرتي المحطمة.. كيف سأتفاهم مع هذه الطفلة ابنة جيلها وزمانها?‏

قلت: بل نشتري شموعا لأناس نحبهم ونقدرهم فنشعلها لأجلهم.. لروح زعيم عربي رحل منذ قريب.. وللآخر الفلسطيني الذي رحل للتو.‏

ضحكت بشراسة وقالت: وهؤلاء الأطفال الذين يقتلونهم في العراق وفلسطين ألن نشتري لهم أيضا شموعا?‏

يلزمنا إذن الدكان كله.‏

تحطمت دائرتي نهائيا.. وكما شحبت كل أطياف الحكايات التي أعرفها امتدت أمامي حقول من الشموع لا أدري لمن أسميها.. كلها باللون الأحمر الملتهب..‏

قلت منكسرة: إذن ساعديني على أن اشتري شمعة واحدة فقط.. بيضاء.. ومزخرفة وجميلة.. نسهر على ضوئها هذه الليلة ما رأيك?‏

قالت: الشمعة لك.. أما أنا فهناك برنامج مسابقات بجوائز أريد أن أكون معه.‏

يا للدوائر التي تتحول إلى فجوات بين الأجيال ونحن نريدها طرقا وممرات.. ويا للخيبة إذا لم نستطع أن نمسك بالخيوط التي تشد أولادنا إلينا.. قبل أن يسرقوهم منا.. ويبعدوهم عنا.‏

صحيح أن السنوات التي تفصل بيني وبينها كثيرة لكنها لاتعادل هذا الانفصال الذي تحسه الأجيال.. ولاتعادل هذه القفزة الكبيرة بين قرن وآخر التي لم تشهدها قرون سبقت كما لو أن تاريخا آخر يبدأ مع هذا القرن الجديد.. تاريخ مجهول معلوم قد يكون مفهوما وقد يكون غير مفهوم.‏

 

 قمر كيلاني
قمر كيلاني

القراءات: 30270
القراءات: 30266
القراءات: 30282
القراءات: 30267
القراءات: 30263
القراءات: 30259
القراءات: 30264
القراءات: 30274
القراءات: 30263
القراءات: 30271
القراءات: 30274
القراءات: 30258
القراءات: 30261
القراءات: 30255
القراءات: 30261
القراءات: 30261
القراءات: 30263
القراءات: 30263
القراءات: 30267
القراءات: 30261
القراءات: 30265
القراءات: 30261
القراءات: 30264
القراءات: 30264
القراءات: 30259
القراءات: 30262
القراءات: 30255
القراءات: 30269

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية