فعرفات استطاع طوال أكثر من أربعة عقود أن يجمع من حوله غالبية الشعب الفلسطيني المكافح والمناضل رغم كل الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية والمنطقة, وبرحيله فقدت هذه القضية ومنظمة التحرير الفلسطينية مناضلاً تمسك بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق اللاجئين بالعودة وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس.
ونتيجة لمواقفه هذه تمت محاصرته من قبل إسرائيل في مقر مقاطعته برام الله للضغط عليه وللنيل من صمود شعبه, وفضل الحصار والعزل ومواجهة الموت والمرض على الحرية مقابل الاستجابة للمطالب الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية قضيته وحقوق شعبه.
إن وفاة عرفات دون الإعلان عن الأسباب التي أدت إلى تدهور صحته يفتح المجال لاتهام إسرائيل بالتسبب بهذه الوفاة ولاسيما في ظل عدم اكتشاف الأطباء أي مرض خطير من شأنه إنهاء حياة عرفات بهذه السرعة, ومن حق الشعب الفلسطيني والعالم أن يطلع ويعرف الظروف المحيطة بموت عرفات نتيجة خلل في صفائح الدم وأسباب هذا الخلل وفيما إذ كان ناتجاً عن حالة تسمم متعمدة.
الإجراءات التي اتخذت فلسطينياً لمواجهة هذا الموقف الصعب والمحزن, بدءاً من مراسم التشييع والدفن وانتهاء بترتيبات عملية نقل السلطة وفقاً للقانون الفلسطيني بشكل طبيعي وديمقراطي, هي جزء من الوعي الفلسطيني لدقة المرحلة وفداحة الخسارة, وتعبير حي وصادق عن التلاحم الذي تعزز ونحى الخلافات جانباً بين جميع قوى الشعب الفلسطيني وفصائله مع نقل عرفات إلى باريس للعلاج بعد عجز الأطباء في رام الله عن تشخيص مرضه بدقة.
فالشعب الفلسطيني المكافح والمناضل سيكون بمستوى الحدث ويقدم صورة ناصعة ومعبرة عن تماسكه وتلاحمه وتشبثه بوحدته الوطنية خلال مرض زعيمه, فقد استطاع أن يواجه المؤامرات والمحاولات العلنية والخفية للنيل من صموده, وخذل كل السيناريوهات التي أعدت بعناية في الأروقة الإسرائيلية والصهيونية لدفع فصائله إلى الاحتراب الداخلي أو لشق صفوفها.
هذا الشعب الذي قدم الآلاف من المناضلين والأبطال والشجعان في كفاحه المرير والمشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي, فقد اليوم برحيل عرفات رمزاً لمناضلين, له مسيرة طويلة لم يتوان يوماً عن تقديم أي شيء يستطيع فعله في سبيل قضية شعبه على جميع الجبهات.
ودعم مسيرة النضال يكون بالتعالي عن الخلافات الجانبية والسياسية وبتعزيز الوحدة الوطنية والتمسك بالحقوق, والشعب الفلسطيني الذي أبدى أعلى درجات الوعي إزاء المحاولات الإسرائيلية لضرب وحدته الوطنية, يتوج اليوم بوقفته المشرفة في تعامله مع مرض عرفات ورحيله يتوج مسيرته هذه بإبداء الحس الوطني العالي حفاظاً على الحقوق والمكتسبات ووفاء لمناضليه وشجعانه وشهدائه الأبرار.