أي إسرائيل تلك التي تصنع التسوية? ألا يقول أمنون كابليوك إن الرئيس الأميركي الذي ارتطم في بدايات ولايته الأولى بتحجر أرييل شارون سيرتطم في بدايات ولايته الثانية بهشاشة الرجل الذي يقول عنه زميله في الليكود بنيامين نتنياهو إنه اغتصب السلطة عبر الإثارة الايديولوجية والاستراتيجية. حتى إذا ما وصل إلى هناك اكتشف الذين خدعهم إنه يمتلك ذراعين من القش.
كل ذاك الذي فعله بالفلسطينيين (اجتثاث الناس, واجتثاث القادة, واجتثاث المنازل, واجتثاث الأراضي..) وكانت يداه من قش, ماذا كان فعل لو كانت يداه من فولاذ?
يا للمهزلة, حين يراهن أحدنا على تسوية عقلانية ومتكافئة تأتي من بين أسنان الصقور في واشنطن! يا للمهزلة أكثر حين لا نرى أمامنا ذلك التفتت المبرمج في الفسيفساء الإسرائيلية. كيف تستطيع يدان من القش أن توقعا تسوية لا تتحول, أو بالأحرى لا تكون أكثر من مصيدة مستقبلية للعرب.
تذكرون ما قاله الرئيس الكبير حافظ الأسد لدى توقيع اتفاق أوسلو: كان ثمة من ملأ النصوص بالفراغ ليملأها, لاحقا. بالدم...
لم يكن على كل حال, الدم الذي ينام, أو الدم الذي يتقاعس, أو الدم الذي يتواطأ. هو ذا الدم الفلسطيني ينفخ في جسد الفينيق, ولايزال يتجدد جسد الفينيق...
ولكن ألا يقال لنا أيضا إن ثمة من ينصح بالأرض الساخنة. هذه أزمة, وكما قال هنري كيسنجر, تعكس الصراع بين نصف المطلق والنصف الآخر, ولا مجال للتعاطي معها بالقفازات. القاذفات أجدى. هي التي تصنع واقعا جديدا. جدليا, الواقع الجديد ينتج مفهوما آخر للسلام. دائما اللعب ضد التاريخ, وضد الحياة, وضد المستقبل, لا أحد يأبه بالبشر: وقود دبلوماسي أم وقود استراتيجي! لا فارق بين الحالتين...
الأرض الساخنة! هل لاحظتم كيف أن كل التعليقات التي صدرت في أوروبا غداة الثاني من تشرين الثاني الراهن بدت كما لو أنها تنعي العالم. أيها الرفاق, لا شيء بعد الآن سوى قعقعة السلاح. أوبير فيدرين تحدث عن... قعقعة الجثث...
هذا حين ننظر إلى ما حولنا, ما داخلنا, بعيون مغلقة بل وبأرواح مغلقة, كما لو أننا لا ندرك أو لم ندرك أن التسوية المعلبة (ومتى تكون هذه التسوية متكافئة?) لا يمكن أن تصنع السلام. لنستيقظ مرة واحدة. وننظر إلى ما حدث في جنوب لبنان, وما حدث ويحدث في الضفة والقطاع. إن السلام. وهو عملية تاريخية بالمعنى الكامل للكلمة, وبالأبعاد الأخلاقية والإنسانية والمستقبلية.. لا يمكن أن يكون إلا من خلال توازن القوى, ولو كان التوازن في المواقف التي لابد أن تمتلىء, عاجلا أم آجلا, بالأيدي القوية. لا أحد يمكنه القول وفي هذه اللحظة الخطرة, بالتوازن (الذكي) بين القفازات والقاذفات. هل تسمعون هدير... البلاهة. ن¯ظرة بانورامية إلى الحالة. إنهم يحدثوننا عن حنكة النعامة. أيها السيد الفينيق أين عصاك?