ونحتفل اليوم بالذكرى الرابعة والثلاثين لقيامها بالحدث العادي, وإنما شكل محطة بارزة ونقطة انعطاف وتحول حاسمة في تاريخ سورية والأمة العربية, أسست لمرحلة من النهوض الوطني والقومي ولإنجازات عملاقة على مختلف الصعد, هي اليوم صروح شامخة وشواهد حضارية على عظمة التصحيح وصانعه, كرست سورية الموقع والموقف والدور حالة راقية ومتقدمة من العطاء والانتصار.
لقد تحولت سورية بفعل التصحيح وفي زمن قياسي, من بلد تتنازع عليه القوى العالمية في الصراع على المصالح والنفوذ, إلى قوة مؤثرة وفاعلة يحسب حسابها في الساحتين الإقليمية والدولية, وغدت الرقم الصعب في معادلة الصراع التي ليس بمقدور أحد تجاوزها, ارتبط اسمها بالكثير الكثير من المكاسب والانتصارات القومية المتحققة, لعل تشرين التحرير الانتصار الأهم والإنجاز الأروع لها في العصر الحديث, والحدث الزلزال الذي غير نظرة العالم وأسقط الكثير من المفاهيم والنظريات السياسية والعسكرية التي كانت سائدة, وأعاد لهذه الأمة الكرامة والهيبة والاعتبار ولقضيتها المركزية وعدالة نضالها الحضور.
تجيء الذكرى هذا العام والمنطقة والأمة تواجه تحديات واستحقاقات مصيرية, ليس مبالغة توصيفها بأنها الأشرس والأضخم والأكثر مساساً وتهديداً لأمنها ووجودها ومستقبلها, فرضها ويفرضها التحالف العدواني الإسرائيلي - الأميركي ومشاريعهما المتعثرة في العراق وفلسطين, بكل ما يترتب عليها من انفلات ودموية مغرقة في الوحشية وفي إحراق وتدمير البشر والحجر, الأمر الذي يستوجب من العرب في جميع أقطارهم الارتقاء النوعي لحجم هذه الأخطار والعمل بروح المسؤولية والتضامن ووحدة الجهد القومي, وعلى قاعدة التمسك بالثوابت كمبادئ التزمت بها الحركة التصحيحية وعملت بهديها طوال مسيرتها المظفرة ولعقود زادت على الثلاثة, وجذرتها في الحياة العربية عقائد ونقاطاً حمراً وخيارات بديلة لحالة الضعف والتشرذم, وسلاحاً أمضى أثبت فاعليته ونجاعته في معارك الذود عن الكرامة والشرف واسترداد الحقوق المغتصبة, وصنع السلام العادل والشامل المؤسس على قرارات الشرعية الدولية.
وليس بخاف على أحد في أن التصحيح قد مثل على الدوام الرافعة القومية, وجعل من هذا البلد أنموذجاً طليعياً رائداً وقلعة صلبة يلوذ بها كل الأحرار والشرفاء, وخندقاً نضالياً يكاد يكون خط الدفاع الوحيد المتبقي هذه الأمة وصخرة الممانعة التي تحول دون امتداد المشروع الصهيوني ونجاحه, تستقوي به الأمة وجماهيرها في الشدائد ومجابهة الصعاب, وفي التصدي لأشكال التآمر والتحديات, ما جعلها دائماً في دائرة الاستهداف ورتب عليها أعباء كبيرة وتضحيات ما زالت تتقبل حملها بكل رضى وإباء وإقدام.
سورية اليوم وهي تتابع معارك التنمية والبناء والتحرير, في ظل قيادة قائد مسيرة التطوير والتحديث السيد الرئيس بشار الأسد, إنما تواصل نهج التصحيح وإغناء مسيرته الظافرة, تلك التي ما عرفت الوهن ولا المهادنة أو المساومة أو التفريط بذرة واحدة من الأرض والحق, وكانت السباقة دوماً في الوقوف إلى جانب الأشقاء, والمضحية من أجل مساعدتهم ونصرتهم ساعة عزت المساعدة وندرت التضحيات, وهي ستظل كذلك إلى أن تتحقق الأهداف القومية كاملة في النصر والتحرير.