وبصرف النظر عما جاء في تقرير لجنة التحقيقات من تفاصيل لاتقدم أي إضافة حقيقية, فإن التقرير ربما ضمن حقيقتين ماثلتين للعيان لايمكن إنكارهما.., وأما الأولى فهي ماتم الإشارة إليه بوضوح من أن الحكومة الأميركية عانت من إخفاقات في التصور والسياسة والقدرات والإدارة.
فإذا كان التقرير أراد تثبيت حقيقة هذه الإخفاقات في المجالات المذكورة ,وفيما يختص بموضوعة الإرهاب والتصدي له ولاعتداءات أيلول, فإن من حق شعوب العالم عموماً, وشعوب المنطقة خصوصاً, والتي تعاني من سوء تقديرات الإدارة الأميركية ومن أخطاء سياستها الخارجية الكارثية والمدمرة, من حقها أن تجري إسقاطاً مباشراً لتلك الإخفاقات على السياسة العامة الأحادية الجانب التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه العديد من القضايا العالمية.
ولعل من أبرز الإخفاقات التي منيت بها الإدارة الأميركية خلال السنوات الثلاث الماضية, فشلها في توفير فرص التهدئة والتسوية في المنطقة باعتبارها الراعي الأساسي لعملية السلام, وذلك بسبب انحيازها الفاضح إلى جانب إسرائيل, ورفضها التلاقي مع إسهامات الشركاء الأوروبيين الذين كان لهم دور أساسي في العملية السلمية, ويضاف إلى ذلك الفشل الذريع الذي منيت به في العراق, والذي يؤكد بما لايدع مجالاً للشك افتقارها إلى السياسة باستثناء تلك التي تحركها المصالح الإسرائيلية من خلال أصحاب الرؤوس الحامية المتصهينين داخل هذه الإدارة.
وأما الحقيقة الثانية التي أشار إليها التقرير ,فهي أن الإرهاب لم يكن يشكل مصدر قلق الولايات المتحدة قبل 11 أيلول, وهي حقيقة لم تكن واشنطن تعترف بها, بل إنها أدارت ظهرها لدعوات العديد من الدول العالمية والعربية, وفي مقدمتها سورية, إلى عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب والبحث في سبيل مكافحته.
فإذا كانت الإدارة الأميركية تدعي محاربة الإرهاب بعد أن اكتوت به, فإن تجاهلها وتهربها المستمر من الدعوات إلى تعريفه والبحث في معالجة أسبابه وجذوره يسقط مصداقية حربها ضد الإرهاب, ويكشف بوضوح عن قصورها في نظرتها وسياستها, كما يكشف عن تملصها وخشيتها من مواجهة حقيقة الإرهاب الإسرائيلي المنظم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني, ذلك أن التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال يعد مفصلاً وعنصراً أساسياً في وضع تعريف دولي للإرهاب.
صحيح أن تقرير لجنة التحقيقات في أحداث 11 أيلول جاء عمومياً ,وألقى باللائمة على أجهزة الاستخبارات الأميركية وقدراتها, إلا أن حديثه عن الاخفاقات الحكومية في السياسة والإدارة له مدلولات عميقة يصح إسقاطها على جميع المجريات التي أعقبت تلك الأحداث, والتي لا تزال تثير جدلاً سياسياً جاداً في الداخل الأميركي كما في العالم من الحرب على أفغانستان إلى العراق.
وقد يكون الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في رده على التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي جورج بوش, قد أورد الحقيقة كلها أو لم يكتف بملامستها عندما رفض قول الأخير, بأنه جعل العالم أكثر أمناً في السنوات الثلاث الأخيرة, وعندما أكد بأن العالم لاينعم بالأمن اليوم أكثر مما كان عليه قبل ثلاث سنوات, ذلك أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة من شأنه تغذية الإرهاب الدولي وليس مكافحته, فهل تدرك الإدارة الأميركية,أنه بمقدورها وحدها العيش في الأوهام, وأن خداع الآخرين ليس بالأمر الهين?!.