ولأننا لسنا بعيدين عما يجري في العالم صار من الطبيعي أن نتلمس نشاطا ملحوظا لهذه التجارة في بلدنا وإن كانت لا تزال في مراحلها الأولى, بحيث استطاعت أن تسجل عددا قليلا من النجاحات لأسباب كثيرة أولها قلة من يتصدون لهذا النوع من التجارة وهم يدركون تماما ضعف الوعي الاستهلاكي لدى مواطننا, وجهله في كيفية طلب الخدمة, واجتهاده للحصول عليها, فأصبح من يفوز بهذه الخدمة يشعر وكأنه حقق انجازا كبيرا يقابله بالشكر الجزيل والتودد لمن يقدم الخدمات له على اعتبارات مختلفة من التهذيب الذي هو أساس واضح في تربيتنا الاجتماعية.. ومن يحصل على الخدمة مهما كانت بسيطة يعتقد في قرارة ذاته أنها امتياز قدمه صاحب الخدمة له رغم أن هذا الامتياز يكلف طالب الخدمة مبالغ مالية كبيرة, ولا يعرف أن حصوله على الخدمة حق مكتسب تفرضه طبيعة التنافس وهي مجرد عمل يؤديه الغير مقابل أجر أحيانا, وغالبا يدخل في سياق عملية التسويق التي تستند إلى كسب الزبون لصالح سلعة ما, والمجتمعات الأخرى لا تختلف عنا بكثير لكنها تتفوق بتعاملها مع قطاع الخدمات منذ وقت بعيد, فتكونت لديها حالة من الجرأة في المطالبة بالخدمة والحصول عليها لأنها حق مكتسب لا يصح التهاون فيه أو التنازل عنه.
مثل هذه الحالات باتت معروفة على نطاق واسع في الدول المجاورة وفي دول الخليج العربي, والكل تعود على هذا الأسلوب, أما عندنا فلا زال الحديث مبكرا عنه.. فالمواطن الذي تتعطل سيارته مثلا تراه يلجأ للحصول على إصلاحها إلى الوكيل الأساسي وإن وصل يبدأ بطلب وده في الحصول على الخدمة المطلوبة, ويشكره ويزيد في ذلك لأنه يعلم أن مصلحة الشركة أو الوكيل تكون في مقدار الخدمات التي يقدمونها بعد البيع للمواطن وسيارته.. وهؤلاء يتنافسون ليس بنوع وماركة السيارة بل في الحديث عن تقديم الخدمات بعد البيع.
ومع ذلك نقرأ صورا لا تسر الخاطر في التعامل مع المواطن, خاصة من شركات النقل التي يفترض أن تتنافس لتقديم خدمات أفضل, لكن مع العكس نجد المواطن يعاني الكثير حتى يؤمن لنفسه أو لعائلته تأمين حجز على الخطوط التي تقدمها بعض الشركات, فيرجو الموظف ويتودد اليه للحصول على هذه الخدمة, وغالبا ما ينسى الكثير من التفاصيل التي هي أساس في حصوله على الخدمة المطلوبة.
فعندما يدعي موظف الحجز تعطيل الباص يقف المواطن حائرا ولا يطالب الشركة بتأمينه الى حيث أكد حجزه, والموظف يكتفي بالصوت المرتفع ليقول خذوا أموالكم ودبروا رأسكم.
مع أن الشركة تتقاضى أجورا مرتفعة لقاء الخدمات ويقبل بها المواطن.. هذا غير الحديث عن تغيير وسيلة النقل التي يفترض أن تكون مريحة من بولمان إلى (هوب هوب) ومع ذلك يسكت المواطن ويقبل بما آل إليه وكأن الشركة (مشكورة) قدمت له امتيازا نوعيا في تأمينه, مع العلم أن هذا الأمر أبسط ما يمكن أن تقوم به تجاه مواطن مستخدم لآلياتها.
فإذا سألتم عن الأمثلة اسألوا مكاتب نقل الركاب من دمشق إلى مدن محافظة السويداء وغيرها.. هنا ستجدون الكثير مما يدفعنا لإعادة النظر في أساليب تقديم الخدمات وتسمية الأمور بمسمياتها إذا عجزنا عن توصيف الحالة, فهل نفعل?!.