لكن ميسلون واحدة من المواقف المفصلية التي مهدت لاستقلال حقيقي, يبقي بلدنا بعيداً عن التابعية أو السقوط في أحضان قوى السيطرة الاستعمارية.
كانت ميسلون وقفة صادقة لأمة ترفض الخنوع أو القبول بالمشاريع التقسيمية المفروضة عليها من الدول الكبرى المنتشية بحلاوة النصر في الحرب الكونية الأولى, والراغبة في اقتسام مناطق النفوذ وتوزيع إرث الدولة الهرمة المريضة فيما بينها.
ولم تكن النتيجة العسكرية هماً يشغل بال يوسف العظمة والأبطال الذين ناصروه, مندفعين لملاقاة غورو وجيشه على أطراف دمشق وربى ميسلون, فهم كانوا يعرفون النتيجة العسكرية, كما أنهم كانوا مدركين لحالة عدم التكافؤ, وعدم القدرة على تحقيق التوازن القتالي في المعركة المنتظرة.
وفي النهاية فإن حالة الوعي السياسي والتاريخي تجلت في أسمى معانيها في تلك المرحلة, بهدف الإعلان عن رفض المخططات التي صاغها كل من سايكس بيكو, وأقرها المنتصرون في مؤتمر سان ريمو, متجاهلين رأي شعب المنطقة الراغب في العيش المستقل والرافض لقبول الهيمنة الاستعمارية والاحتلال..
لقد قال الأحرار في ميسلون كلمة الأمة كلها, وضحوا بأنفسهم نيابة عنها, مقدمين أنفسهم قرابين على مذبح حرية الوطن و كرامته.
لم تكن المواجهة قد بدأت في ميسلون, لكنها سبقتها مع رفض قرار حل الجيش الوطني الذي تشكل قبل عامين ليكون المدافع عن حرية الوطن وحماية حدوده, وكان الموقف التاريخي للوزير يوسف العظمة بالاستقالة من الحكومة, والاستمرار في قيادة الجيش وتجميعه استعداداً للمواجهة الرافضة للقبول بمشاريع التقسيم المرسومة في عواصم الاستعمار القديم..
وكانت الواقعة المعروفة النتائج, وكان الموقف النضالي لجميع المشاركين في وقفة العز, كما كان الإعلان عن انطلاقة المقاومة في اللحظة التي سبقت دخول قوات الاحتلال, تمهيدا للاستقلال باعتباره الهدف الأكيد والأسمى لجميع أبناء الوطن...
والآن لم تمض ميسلون في صفحات التاريخ كحدث يمكن أن ينسى, لكنها بقيت, وستبقى حالة مستمرة تعكس قدرة أمتنا على الانبعاث والحياة..