وبالرغم من هذه المفاجأة ,فإن الأهم في الانتخابات الأميركية بعد فوز بوش فيها, هو الكيفية التي ستكون عليها السياسة الأميركية خلال السنوات الأربع القادمة;هل ستستمر على ذات الأسس والاتجاهات التي مضت فيها خلال ولاية بوش الأولى و نجم عنها مانجم من حرب ظالمة على العراق تمخضت عن مأساة كبرى للشعب العراقي وعادت بالإساءة البالغة لسمعة أميركا في العالم , ومن تهميش لدور الأمم المتحدة في حل القضايا الدولية, وانحياز أميركي فاضح لإسرائيل تجاوز كل الحدود, وتهميش لأدوار حلفاء أميركا التقليديين ومصالحهم في كل العالم, ومحاولة التدخل في الشؤون الداخلية للدول وكأنها ولايات أميركية أو كأن أميركا امبراطورية العالم تأمر فتطاع, أم أن هذه السياسة ستتغير نحو ما من شأنه أن يخدم مصالح أميركا ومصالح دول العالم وفق صورة للتعاون كالتي عبر عنها رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثابا تيرو بالقول(إن هذا التعاون يجب أن يكون مبنياً على احترام أفكار ومبادىء كل طرف وماتمثله بالنسبة لكل بلد)..?
وردود الفعل الدولية حيال نتائج الانتخابات الاميركية عكست إجماعاً على الرغبة في أن تشكل نتائج الانتخابات الأميركية فرصة سانحة لإحداث تغيير في السياسة الأميركية لمصلحة السلام الدولي, يأخذ بالاعتبار ضرورة أن تتعامل الولايات المتحدة مع المجتمع الدولي كشريك وعضو فاعل فيه, لاكقطب أوحد وكامبراطورية تشكّل العالم وفقاً لمصالحها الخاصة ومصالح (الديمقراطية) المخدوعة بها إسرائىل).
فمعظم دول العالم هنأت الرئىس بوش متمنية أن تزخر السنوات الأربع القادمة لولايته الجديدة بسياسة تبنى على المبادىء التي قامت عليها الولايات المتحدة (العلم والعدل والأخلاق والحق والديمقراطية) وكذلك على الشرعية الدولية التي تحظر الاحتلال العسكري وتهديد أمن وسلامة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية, وذلك لما لمثل هذه السياسة فيما لو انتهجت بعيداً عن سياسة القوة والاستفراد بها والحروب الاستباقية ومعاقبة الدول لمجرد اختلافها مع هذه التوجهات المتناقضة مع مبادىء الحوار والحق والعدل, من تأثير كبير على تصحيح مسارات علاقات أميركا مع غالبية دول العالم والدفع بهذه العلاقات نحو ما يعزز المصالح المشتركة لأميركا ومجموعة هذه الدول, وبالتالي يخرج أميركا من مأزق عزلتها الدولية التي وجدت نفسها فيها جراء تورطها بحرب غير مشروعة على العراق, وجراء انتهاجها سياسة الاستعلاء على العالم والاستخفاف بإرادته.
تصحيح علاقات أميركا بدول العالم, أو لنقل إجراء المصالحة الأميركية مع المجتمع الدولي أمر مهم ليس بالنسبة للعالم والسلام الدولي فقط, بل أيضاً لأميركا وتغيير صورتها في العالم من دولة مكروهة فقدت الكثير من مصداقيتها وتحالفاتها, إلى دولة مرحب بها وبدورها بعد استعادة مصداقيتها بتخليها عن انحيازها الأعمى لإسرائىل وسياسات دفعت بها بعيداً عن لغة الحوار وعلاقات التعاون البناء.
العالم لايريد بأميركا السوء, ولايكرهها إلا لسياسة متعالية منحازة لإسرائىل,و لأنها باتت تؤثر سياسة القوة على منطق الحوار والحق. فهل يكون فوز بوش مناسبة لنهج أميركي جديد يوظف وزن أميركا وثقل تأثيره في بناء علاقات دولية متوازنة والتعاون مع المجتمع الدولي من أجل إحلال السلام في كل بؤر التوتر وخاصة منها منطقة الشرق الأوسط التي تقوم على بركان متفجر.