ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية مستمرة في انحيازها الأعمى لإسرائيل وسط حرب شاملة تشنها حكومة الارهابي أرييل شارون ضد الشعب الفلسطيني, وفي ظل الاستمرار ببناء المستوطنات والجدار العنصري في الضفة الغربية, وذلك وسط صمت دولي مريب.
صعوبة المرحلة بمفاعيلها الداخلية والإقليمية والدولية لا يعني بالتأكيد التسليم بالضياع, كما لا يعني الاستغراق برسم صورة سوداوية للوضع, وإنما صعوبة المرحلة تملي على الشعب الفلسطيني جملة استحقاقات قد تكون الأهم في تاريخه النضالي, ولطالما استطاع خلال الخمسين سنة الماضية التصدي لها بكثير من الجدية والمسؤولية, فلن يعجز بقواه الوطنية الواعية عن صياغة موقف موحد يحافظ من خلاله على المبادىء والحقوق الوطنية مهما اشتدت الضغوط عليه, ومهما تكالبت واتسعت الهجمة ضده.
وإن أهم ما يجب التنبه إليه في هذه المرحلة الحرجة هو عدم الاستغراق بالنظر إلى نصف الكأس الفارغة في الصراع, وعدم الاستسلام لليأس وا حباط, ذلك أن المحافظة على النصف الآخر من الكأس يعد واجباً وطنياً على القوى الفلسطينية القيام به والمحافظة على ما تم إنجازه خلال السنوات الطويلة الماضية.
فصحيح أن أميركا التي تمثل القطب الأوحد للعالم تقف إلى جانب إسرائيل وتهيمن على مجلس الأمن الدولي, وصحيح أن ثمة أخطاء ترتكب من قبل السلطة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة, وصحيح أن أميركا وإسرائيل تتنكران للحقوق الفلسطينية وتحاولان دفع الشعب الفلسطيني إلى الاقتتال الداخلي بذرائع الاصلاحات ومحاربة الفساد, وبالتالي تطرحان مشكلة عدم توفر الشريك على الجانب الآخر مالم يحارب ما تسميانه الإرهاب, إلا أن الصحيح أيضاً أن ثمة مفاعيل أخرى داخلية, وإقليمية, ودولية تسعى لخلق شيء من التوازن في مواجهة المعادلة الإسرائيلية- الأميركية التي تزور الوقائع والحقائق.
فالاتحاد الأوروبي المنتقد لإسرائيل وممارساتها سواء لجهة أعمال القتل والتدمير أم لجهة بناء الجدار والمستوطنات, وسعيه إلى تفعيل دوره في اللجنة الرباعية الدولية, وتهديده بتطوير موقفه وصولاً لإمكانية فرض عقوبات أو حصار اقتصادي ضد إسرائيل, يشكل جزءاً من الممانعة الدولية التي تؤرق إسرائيل, حيث نجح الموقف الأوروبي حتى الآن في إجهاض مساعي حكومة شارون في نقل الصراع إلى طور المحادثات الثنائية تحت رعاية حصرية لأميركا دون سواها.
كما أن وعي القوى الوطنية الفلسطينية لما يحاك ضد القضية, والتعاطي معه بمسؤولية رفيعة المستوى تبدت في تموز الماضي عندما كاد قطاع غزة يغرق في الفوضى الأمنية التي اشتملت على أعمال الخطف ومهاجمة المقرات الأمنية, وعندما حاول البعض ممن يرتبطون بجهات خارجية أن يستدرجوا الداخل لأزمة تفتت الصف الفلسطيني تحت مسميات تنازع الصلاحيات, وبناء المؤسسات وفرض سلطة القانون- هذا الوعي الفلسطيني- فوت الفرصة على أعداء الشعب الفلسطيني, ويمثل بلا شك جزءاً أساسياً وحيوياً في معادلة الصراع, كما تمثل المحافظة عليه أحد أهم أسباب الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كانت جميع القوى الوطنية الفلسطينية تتوافق فيما بينها على رفض العودة إلى الوراء خطوة واحدة, وتؤمن بأن تنازع الصلاحيات لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال, وأن الاقتتال الداخلي خط أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه, وأن إشاعة مناخ الفوضى يهدد مستقبل القضية برمتها,فإن إجماع هذه القوى على التمسك بالمبادىء الوطنية وبحق العودة ورفض مسألة التوطين من شأنه أن يفشل كل المخططات الإسرائيلية المدعومة أميركياً.
وإن الشعب الفلسطيني بتضحياته, وبتاريخه النضالي المشرف مدعو اليوم إلى تعزيز وحدته الداخلية, وصياغة شراكة سياسية بين قواه الوطنية تتبنى خيار المقاومة والتمسك بالحقوق, وتضع أجندة سياسية موحدة ترتب من خلالها البيت الفلسطيني بعيداً عن الأجندة المفروضة من الخارج, والتي تختزل زوراً كل المشكلات بضرورة القيام بالإصلاحات التي لا تمثل سوى كلمة حق يراد بها باطل, ويقيناً أن شعبنا الفلسطيني الصامد يؤمن أن الانتخابات والإصلاحات حاجة لكنها ليست أولوية في ظل استمرار الاحتلال والعدوان والإرهاب الإسرائيلي.