وباستهداف هيستيري للمدن والقرى والمخيمات والبنى التحتية والمؤسسات التعليمية ولكل شيء يتحرك, ضمن سياسة الأرض المحروقة والإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني والتدمير الشامل لأسباب ومقومات الحياة لديه, من إشكاليات قانونية وأخلاقية كثيرة للأسرة الدولية, فإنها تطرح بقوة تساؤلات لا تتوقف عن جدوى المنظمة الدولية ودورها ومسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار الدولي, ولاسيما أن إسرائيل قد صنفت بشهادة العالم والأوروبي منه خاصة في المرتبة الأولى على قائمة الدول الأكثر تهديداً للأمن العالمي.
إسرائيل بطغمتها السياسية والعسكرية وشارعها العنصري تمارس اليوم على مرأى ومسمع الدنيا وبوحشية متناهية, الإرهاب الرسمي المنظم في أعلى درجاته ومستوياته وتتعمد قصف المدارس وذبح الأطفال على مقاعد الدراسة وتتصيدهم بنيرانها ومدفعيتها وصواريخ طائراتها الحربية في الشوارع المفضية وتمثل بأجسادهم الغضة بسادية, لم ينفع معها الطابع الدولي لهذه المدارس وتبعيتها لوكالة الأونروا, أو يشكل رادعاً يمنع الجيش الإسرائيلي من انتهاك حرماتها, بحيث بلغ حصاد العدوان والحرب المفتوحة على قطاع غزة من الأطفال, قرابة الأربعين من أصل 150 شهيداً وخمسمئة جريح في أقل من أسبوعين, جسدت الطفلتان غدير مخيمر في خان يونس وإيمان الحمصي, التي أفرغ قائد كتيبة إسرائيلية رشاشه في جسدها, النموذج والعنوان والاختزال الفاضح لفظاعة الجريمة وعرتا بعض جوانب الرعب والموت المجاني والوحشية الصهيونية والحقد الطاغي لعقيدتها..
والسؤال حين تصل الموس إلى ذقن الأمم المتحدة ومؤسساتها ووكالاتها المتخصصة وفي المقدمة تلك التي تضطلع بأدوار إنسانية, وتطال حملات الترهيب والضغوط والابتزاز والاعتقال أكثر من 25 موظفاً لوكالة الغوث في الضفة الغربية وغزة بتهم التعامل الذي لم تثبت صحته مع المقاومة, فهل تكفي الانتقادات والدعوات الخجولة لإسرائيل بالاعتذار واحترام حقوق الأطفال, وممارسة المنظمة الدولية سياسة ضبط النفس للجم العدوان المتمادي, ووقف الاستباحة التي تلتهم البشر والحجر وتحيل الأرض المحتلة إلى مناطق منكوبة وكأنما ضربها الزلزال?!
بالتأكيد ليست مهمة الأمم المتحدة ومؤسساتها حتى ولا قواتها, إحصاء وتعداد الانتهاكات المستمرة والمتصاعدة للاحتلال الإسرائيلي, وتسجيل الخروقات اليومية التي تجاوزت الأرض المحتلة لتطاول لبنان, وبواقع أكثر من 12 خرقاً جوياً خلال ساعات على سبيل المثال لا الحصر, حسب البيان الأخير للممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب لبنان ستيفان دوميستورا الأسبوع الماضي, أو الاكتفاء بدور الراصد والمتفرج إن لم نقل شاهد الزور على جريمة قتل شعب بالكامل وما يجري من اغتيال وتدمير إسرائيلي ممنهج لعملية السلام, واستعراض واستخدام همجي للقوة لم يسبق لمنطقة أخرى في العالم أن شهدت مثيلاً له, وإنما التعاطي المسؤول والعملياتي وفق الأطر والبنود المحددة بالميثاق مع هذه الحالة الشاذة, والتصدي لهذه العربدة الدموية واللعب بالنار, وإلزام حكام تل أبيب ولو بواحد من أكثر من ستمئة وثلاثين قراراً للشرعية الدولية, ظلت ولعقود معلقة وبرسم من ينفض الغبار عنها.
وهذا لا يتأتى بغير الابتعاد عن الانتقائية وازدواجية المعايير, ورفض هيمنة وتسلط قوة عظمى تخلت عن المبادئ والقيم, لمصلحة الالتحام بالصهيونية ومشروعها الإجرامي القائم على العدوان والتوسع والإلغاء للآخر, وتوكيد حقيقة أن القوة وقوانين الغاب لا يمكن أن تفرض نفسها معادلاً للشرعية والقانون الدولي.