إن هذا الغزو لن يجعل العالم أكثر أمناً - كما تدعي إدارة بوش - وربما لأنان أعذاره في هذا الشأن في ظل احتدام المنافسة على الرئاسة الأميركية بين كيري وبوش وما يمكن أن تفسر تصريحاته أو تستثمر في هذا المجال.
أنان كغيره من المسؤولين الدوليين يعي جيداً بأن الحرب على العراق وتداعياتها المستمرة فاقمت المشكلات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى درجة غير مسبوقة وبما يهدد الأمن والسلم الدوليين ويفتح المجال واسعاً أمام اتساع وتزايد الانقسام داخل الأسرة الدولية, وذلك دون أن تفعل القوى المحتلة - رغم التحذيرات المتتالية لها - ما من شأنه وقف التدهور المضطرد للأوضاع الأمنية في العراق تحديداً والعالم على وجه العموم.
لقد غيرت هذه الحرب من أولويات المجتمع الدولي التي كانت منصبة لتحقيق السلام في المنطقة, وتعميم الأمن الدولي وإيجاد الحلول للمشكلات الكبيرة الناجمة عن انتشار الأمراض الخطيرة وتفشي الفقر إلى البحث عن توفير الأمن وتوزيع وتقاسم المصالح على حساب الرغبات الدولية الواسعة المطالبة للقوى الكبرى بتحقيق العدالة والمساواة في توزيع المصالح والثروات والتخلي عن نهب وسرقة خيرات وموارد الشعوب الفقيرة.
وبغض النظر عن المخاطر والتداعيات الكبيرة من تحول اهتمامات المجتمع الدولي عن توجهاته التنموية إلى مجالات أخرى لا تخدم إلا بعض الشركات الأميركية وغيرها العاملة في مجال الصناعات العسكرية والمعدات الأمنية, فإن هذه الحرب حولت أيضاً المساعي الدولية لترسيخ سلطة القانون الدولي إلى اتجاه آخر مناقض تماماً له تمثل باستعادة الأجهزة الأمنية للدور الذي لعبته أيام الحرب الباردة, بداعي تلافي الأخطار الناجمة عن فقدان وغياب الأمن في العالم, والتداعيات المحتملة في هذا الشأن للحرب في أفغانستان والعراق, والتشابكات التي ظهرت نتيجة الإخفاق الأميركي في إعادة الأمن والاستقرار, رغم مرور الوقت الكافي واللازم لفعل هذا الأمر بما يخدم إرادة وحاجة أوضاعهما الداخلية, وفقاً للوعود الأميركية قبل شن الحرب على كلا البلدين.
إن استمرار الولايات المتحدة بتجاهل المخاوف الدولية من السياسة الأميركية, من المفترض ألا يواجهه المجتمع الدولي بهذا الشكل المخيف والغريب من التقاعس والفوضى واللامسؤولية, بل باتخاذ الإجراءات الفورية التي تحول دون تفاقم الوضع الدولي الراهن, وتحكم دولة بمصير العالم مهما كان شأنها, ولاسيما أن أخطار وتداعيات المستنقعات الأميركية لا تستثني أحداً وتطال العالم كله, كما هو الحال بنتائج الحرب على العراق.
فما ألمح إليه الأمين العام للأمم المتحدة حول عدم شرعية الحرب على العراق وعدم جعلها العالم أكثر أمناً يقوض ادعاءات الإدارة الأميركية المتواصلة في هذا الشأن, ويجب ألا يمر مرور الكرام, فالوضع الإقليمي في المنطقة ومثيله الدولي يزداد تعقيداً وخطورة والإصرار الأميركي متواصل لتحويل المجتمع الدولي إلى أداة طيعة لخدمة مصالح شركات الإبادة ودعاة السيطرة والهيمنة.