التي تجعل منه جزءاً من سياق عام, أو قطعة من نسيج مجتمعي له خصائصه ومميزاته, وبحيث إن مقاربة هذا النموذج, هي بالضرورة مقاربة لسياقه العام أو لنسيجه المجتمعي, الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي!
غير أننا غفلنا في استقدامنا لبعض النماذج من العمل أو الإدارة , وفي إطار بحثنا عن محفزات لعملية التطوير والتحديث,غفلنا عن لزوم مقاربة السياق العام أو النسيج المجتمعي عند مقاربتنا لنموذج العمل أو الإدارة المستورد, واعتقدنا أن مجرد استقدام مثل هذه النماذج وتطبيقها يعني توافقها التلقائي مع السياق العام لحياتنا اليومية, واندماجها العفوي في نسيجنا المجتمعي.
ولعلنا, لهذا السبب, نلاحظ ونتابع فشل العديد من نماذج العمل والإدارة, التي استقدمناها من تجارب حضارية أوروبية أو آسيوية,, رغم أننا حرصنا على التعامل معها كما وردت إلينا وكما تنفذ في مجتمعاتها الأم.
أسوق هنا مثالاً بسيطاً لنموذج يستهدف التخفيف, أو إلغاء الإجراءات البيروقراطية في تسيير المعاملات الإدارية فردية كانت أم جماعية, استثمارية أم خدمية, هي نموذج النافذة الواحدة التي انتشر العديد منها في مؤسساتنا الحكومية, وعولنا عليها الكثير في تحقيق جزء من الإصلاح الإداري يتصل بهذا الجانب, وما حدث, هو أن معظم هذه النوافذ لا تعمل كما أريد لها, ومنها ما تحول الى عبء جديد, يثقل كاهل المواطن بدل التخفيف عنه.
والسبب المؤكد لتفسير ذلك, هو أننا اقتطعنا نموذجاً للعمل من سياقه المجتمعي الخاص به, واكرهناه على العمل في سياق مجتمعي آخر, مع ما لذلك من اختلاف بين السياقين, وكما لو أننا نقتطع قلباً أو كبداً من جسد ونزرعه في جسد آخر دون النظر الى استعداد هذا الآخر لتقبل العضو الجديد والتعاون معه.
صحيح أن الوعي العام والثقافة العامة, وثالثاً الإعلام ووسائله, لهم أدوار مهمة في عملية التوفيق والمواءمة بين النموذج المستقدم وبين النسيج الاجتماعي الذي سيعمل في اطاره, لكن الأساس يظل في توفير الحدود الدنيا من إمكانيات التوافق بين الطرفين, هذه الحدود التي تحتاج الى الكثير الكثير من النقاشات التي تتناول مختلف وجوه اقتطاع واستقدام وزرع النموذج المستورد اجتماعياً واقتصادياً وحتى نفسياً.
هل تدور مثل هذه النقاشات عند تقرير الأخذ بهذا النموذج أو ذاك من العمل والإدارة?