صفقة وإن حملت الطابع الانتخابي وعكست التنافس المحتدم والتهافت على كسب ود إسرائيل وأصوات لوبيها, عبر تقديم أقصى حدود الدعم المادي والعسكري لها وإلى حدود التخمة, إلا أنها لا تحجب حقيقة كونها /سياسية وحربية/, أملتها توجهات المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية ونزعتها الكونية, التي تتكامل مع المشروع الصهيوني وتتقاطع معه في الرفض للسلام والاعتياش على التوترات والحروب.
لقد مثل السخاء الأميركي مرة أخرى في التوقيت حيث التعثر الخطير, الذي ما انفك يلاحق العملية السياسية ويغتال ما تبقى فيها من حياة, بفعل العربدة الإسرائيلية المتمادية والانفلات والاستباحة اليومية, للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة, وإخضاعها لسياسة الأرض المحروقة, المقرونة بالإشهار الصريح بتحلل إسرائيل كلية من السلام ومن أي التزام حياله, مثل تطوراً نوعياً خطيراً آخر في سياسة واشنطن, وجسد حالة متطورة من الكراهية والعداء لهذه المنطقة وعروبتها, وإصراراً على زيادة معاناتها وإغراقها أكثر بالحرائق والدم, سعياً وراء حملها على رفع راية الطاعة والاستسلام, والقبول القسري بالانضواء تحت مظلة الهيمنة الصهيونية الأميركية..
وكما تلقفت حكومة الإرهابي أرييل شارون خطاب الرئيس جورج بوش في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة, وقرأت مضمونه الذي جاء فاضحاً في التحيز لإسرائيل, كذلك كان حالها مع /صفقة العصر/ التسليحية, والتي رأت فيها مكافأة مجزية وضوءاً أخضر جديداً لها, لمواصلة سياستها العدوانية وإرهابها الدموي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل, ترجمته آلة الحرب لديها ميدانياً على وجه السرعة ودونما انتظار, بسلسلة من العمليات العسكرية والاجتياحات والقصف والاغتيالات, راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى وتسببت خلال أيام قليلة, بتهديم عشرات المنازل الإضافية في غزة وخان يونس وتهجير المئات من سكانها, وبتهديدات سافرة أوردتها صحيفة /هاآرتس/ لمصادر إسرائيلية تتجاوز الأرض المحتلة, لا نقول بأنها تدخل في سياق الحرب النفسية وسياسة الترهيب والابتزاز فحسب, وإنما تشحن الأجواء وتدخل المنطقة في سباق جديد للتسلح وتضعها بمواجهة حالة من انعدام الأمن والاستقرار.
باختصار هي صفقة عدوان وحض عليه وتشجيع على مواصلة الأخذ بخياره, ومحاولة مفضوحة لترتيب أوضاع تكرس الخلل الحاصل في معادلة التوازن وموازين القوة, وإبقاء كفتها راجحة لمصلحة إسرائيل, خلافاً لرواية البنتاغون وادعاءاته القائلة: أنها بمثابة تأكيد يستهدف النهوض بالمصالح الاستراتيجية والتكتيكية الأميركية, وليست معطيات وأغصان زيتون وورود سلام, من شأنها أن تشجع قادة وجنرالات المؤسسة العسكرية الصهيونية, على سلوك دربه والانخراط في عمليته والالتزام باستحقاقاته, والتخلي عن نهج الصلف والغطرسة وعقد التفوق, فتلك نقائض لا يمكن للمشروع التوراتي التعايش معها, وليس هناك من صهيوني في موقع المسؤولية والقرار أم في الشارع العنصري المتطرف, يمتلك الجرأة لأن يقول خلاف ذلك ويثبت حيث يجب الإثبات الأهلية وعدم الخوف من السلام.
ما لم يستوعبه حكام تل أبيب بعد ومعهم صقور الإدارة الأميركية المنتشين بالحروب والباحثين عن انتصارات وهمية سهلة, والغارقين ومشاريعهم في الوحول والمستنقعات والرمال المتحركة في فلسطين والعراق وأفغانستان, أن رهانات القوة والاستخدام الوحشي والمفرط لها لا يمكن أن تكون جواز مرور لهم ولمخططاتهم الاستعمارية, وليس بمقدورها أن تستجر غير غضبة ونقمة الشعوب, التي تأبى أن تؤخذ وتستباح أوطانها, وتبقى أسيرة الضعف, وفي موقع المتلقي للضربات ولثقافات الإملاء والخنوع, والطرف الذي يظل يدفع ضريبة الحرية والذود عن الأرض والكرامة مجاناً وبلا رد.